بيني وبينك

   وصل صديقنا الشاب فى موعده متلهفاً أن يستمع إلى المزيد من صديقه الشيخ عن "آداب الحديث".  ولما رأى الشيخ تشوقه بادره بالقول:

- أظن أنك تريد استكمال حوارنا الذى لم نكمله.

* نعم، أود أن أسمع المزيد.

- وهل تذكر أين توقفنا المرة السابقة؟

* لقد وعدتني أن تُعطيني بعض النصائح العملية التي يجب أن أراعيها في حديثي مع الآخرين.

- اسمع بتفهم.  حاول فهم ما يقصده محدثك بالضبط.  واسمع له دون مقاطعة.

* لكنى كثيراً ما أجد نفسى وقد أمسكت طرف الخيط لما يريد أن يقوله محدثي، لذلك أقاطعه لأعرفه أننى وصلت إلى الغرض دون إضاعة وقت، وأرى أن ذلك أفضل لي وله.

- أرجو أن تقرأ الرد على ذلك في أمثال 18: 13، ثم قل لي رأيك

* «من يجيب عن أمر قبل أن يسمعه فله حماقة وعار»... أعتقد أن الكتاب لا يمتدح ذلك.
 
  - يا عزيزي، في الواقع أنت حين تعتقد أنك أمسكت بطرف الخيط أحياناً تكون قد أمسكت بطرف ما تريد أن تسمعه أنت من الآخر، أو قد لا تفهم محور حديثه مطلقاً.  ثم أنك تحرم نفسك بذلك من أن تفهم الموضوع بكل جوانبه، وأن تفهم الدوافع التي دعت محدثك لقوله.

* فالمطلوب منى إذاً أن استمع باهتمام.

- باهتمام وبدون مقاطعة، ولا تنسَ أن تأخذ فى اعتبارك حالة محدثك؛ إن كان متضايقاً أم منفعلاً لسبب ما.

o وماذا يؤثر ذلك؟

- إن ذلك يساعدك أن تلتمس له العذر إن أخطأ التعبير، أو قد يدعوك للتغاضي عن بعض العبارات التي تجد أنها جاءت وليدة انفعاله هذا؛ وهذا يقلل من حدة انفعالك أنت مع كلام قيل في عجالة ولا يقصده محدثك على وجه التدقيق.

* وحين يأتي دوري في الكلام؟

- حين يأتي دورك في الكلام فإن الأمر يحتاج إلى مزيد من الاهتمام.

*ماذا تعنى؟!

- أرجو أن تدرك أولاً أن للكلمات التي تتفوه بها قوة لا يُستهان بها؛ فبكلماتك قد تجرح وقد تعصب.  يقول الكتاب عن اللسان (عضو الكلام في الإنسان) «السفن... تديرها دفة صغيرة جداً... هكذا اللسان أيضاً هو عضو صغير ويفتخر متعظماً... يضرم دائرة الكون ويُضرَم من جهنم... به نبارك الله الآب وبه نلعن الناس الذين تكونوا على شبه الله» (يعقوب 3: 4-9).

* ألهذا الحد؟

- وقد تغير كلمة منك الكثير من المفاهيم عند سامعك؛ فقد تغير صورتك عنده أو صورته عند نفسه.  كما لا تنسَ أن الكلمة متى خرجت من فمك لا يمكن إرجاعها.

*إن الأمر خطير؛  فيجب إذاً أن اختار كلماتي بدقة.

- نعم، ولذلك أقول لك: فكر ملياً قبل أن تتكلم؛ فالحكيم يقول «قلب الصّدّيق يتفكر بالجواب» (أمثال 15: 28).

- الواقع أنى كثيراً ما أتكلم قبل أن أفكر ثم أندم على كلمات قلتها دون تفكير وأتمنى لو لم أكن قلتها. m في هذا يقول الحكيم أيضاً «أرأيت إنساناً عجولاً في كلامه؛ الرجاء بالجاهل أكثر من الرجاء به” (أمثال 29: 20).

* أرى الأمر يزداد تعقيداً.

- كلا يا صديقي؛ بل الأمر يقودنا للارتماء على الرب.  تعلم أن تكون طلبتك المستمرة «اجعل يا رب حارساً لفمي” (مزمور 141: 3).

* ولكن هل سأفعل ذلك قبل كل حديث؟

- ولِمَ لا؟!  كما لا تنسَ أنه إن كانت لك شركة مستمرة مع الرب فستتميز كلماتك بالنعمة؛ فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم (إقرأ متى12: 34-37 من فضلك).

*ولكن أحياناً يكون موقف محدثي مستفزاً. أو تكون في بعض كلماته إهانة أو ظلم لي أو ما يجب أن أرد عليه.

- انى أدعوك دائماً لأن تتذكر ما كان المسيح سيفعله أو يقوله إن كان في مكانك.  لقد مر يا صديقي في كل ما قلت بل وأكثر.  فيكفى جولة في الأناجيل لتعرف كم أساء إليه كثيرون وكم احتقره البعض وظلمه الآخرون؛ ولكى ترى أيضاً كيف أحسن الإجابة في كل مرة.  فدعه يكون لك مثالاً في كيف كان يتكلم ويتصرف.

* وأحياناً يكون من أتحدث معه لا يستحق منى كل هذا الاهتمام الذى وصفته.

- أذكرك أن كلماتك لأنها نابعة منك أنت فهي تُعلن عن مَنْ أنت، وليس من تكلمه.  وأزيد على ذلك فأدعوك لأن تصلى من أجل الذين اعتدت أن تقابلهم وتحادثهم لتكون سبب بركة لهم؛ للطفاء منهم والعنفاء، لمن يبادلونك المحبة والتقدير ولمن يناصبونك العداء، لمن ترى أنت أنه يستحق ولمن قد لا ترى ذلك.

* وهل من نصيحة أخرى في هذا الصدد؟

- نعم، اختر الوقت المناسب للكلام، والكلام المناسب للوقت.

* ماذا تقصد؟!

- اعرف أولاً أنه «لكل شيء وقت ولكل أمر تحت السماوات وقت ... للسكوت وقت وللتكلم وقت” (جامعة 3: 1،7).  ففي بعض الأوقات يكون الصمت أبلغ بياناً من الكلام وأفضل عملاً.

* وماذا تعنى بالكلام المناسب للوقت؟

- يقول الكتاب «تفاح من ذهب في مصوغ (إناء) من فضة كلمة مقولة في محلها” (أمثال 25: 11).  فما يصلح لأن أقوله لصديق في وجود شخصً ما لا يصلح في وجود آخر، وما يصلح لأن أقوله ومستمعي صافى الذهن قد لا يصلح لأن أقوله وهو منهك، وما يصلح لأن أقوله  في جلسة خاصة قد لا يصلح للتكلم به في مواصلة عامة.  فكن مرهف الحس للوقت والمكان والظروف التي تتكلم فيها ما تريد أن تقول.

*  الأمر يبدو صعباً للغاية.

- قد يكون التحدي صعباً؛ لكن ثق بالرب أنه من خلال الشركة معه يقودك لأن لا تخرج من فمك كلمة ردية بل كل ما كان صالحاً للبنيان كى يعطى نعمة للسامعين (أفسس  4: 29).