الكتاب المقدس فى لغتنا العربية
لقد قصد الله منذ البداية أن يوصل أقواله إلى كل إنسان باللغة التي يفهمها. وهذا ما حدث فعلاً، فقد تُرجمت كلمة الله منذ البداية إلى لغات عديدة، والكثير من هذه الترجمات ما زال باقياً حتى اليوم. ولدينا الآن أكثر من عشرة آلاف مخطوطة من الترجمات القديمة، وهذا يضيف تأكيداً آخر على حفظ الكتاب المقدس من أي حذف أو إضافة. وفى السطور القادمة سوف نذكر أشهر هذه الترجمات القديمة ثم نرى كيف وصل إلينا بلغتنا العربية.
1 -الترجمة السبعينية:
قام 72 عالماً من علماء اليهود، بناء على طلب من الملك بطليموس في عام 280 ق.م، بترجمة العهد القديم كاملاً من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية، حيث أن اللغة اليونانية كانت هي اللغة المنتشرة في ذلك الوقت. وقد تم هذا العمل في مدينة الإسكندرية. وهذه الترجمة هي التي استخدمها الرب يسوع والرسل فيما بعد.
2 - الترجمات السريانية:
تمت عدة ترجمات بهذه اللغة التي كانت تسمى أيضاً الآرامية المسيحية، وذلك ليستخدمها أهل الشام والعراق في القرن الثاني الميلادي. ويوجد حالياً مئات المخطوطات من هذه الترجمة.
3- الترجمات القبطية (المصرية):
هناك ترجمات كثيرة باللهجات القبطية التي كانت تستخدم في مصر قديماً. ويعود تاريخها إلى القرن الثالث الميلادي وما بعده.
4 -الترجمة اللاتينية: انتشرت هذه الترجمات في شمال أفريقيا وأوروبا. ويوجد الكثير منها والذى يرجع تاريخه إلى القرن الرابع وما بعده.
5- ترجمات العصور الوسطى
في القرون الوسطى من التاريخ المسيحي، وفى وسط العصور المظلمة، ظهر رجال أفاضل أحبوا الله وكلمته؛ فسعوا لنقلها من اللاتينية -التي باتت غير مستخدمة في ذلك الوقت- إلى لغات العالم الحية المستخدمة حتى الآن. ورغم المقاومة العنيفة، إلا أن هؤلاء استطاعوا بنعمة الله أن ينقلوا الكتاب إلى لغاتهم. ومن أشهر هؤلاء كان جون ويكليف*الذى أسماه المؤرخون «طليعة فجر الإصلاح»، والذى أتم ترجمة الكتاب إلى الإنجليزية عام 0831م، بعد جهاد عظيم وقبل أن تنال منه يد أعدائه. وبظهور الطباعة وزيادة الثقافة، زادت محاولات الترجمة بعد ذلك، وكان أشهرها ترجمة وليم تندال** الذى حُكم عليه بالموت حرقاً بتهمة ترجمة الكتاب المقدس، لكن نفسه لم تكن ثمينة عنده حتى يتمم سعيه في أن يصبح الكتاب مقروءاً عند العامة بلغتهم.
6 -الترجمات العربية: - هناك أجزاء من مخطوطات لترجمات عربية مختلفة يوجد بعض منها في دير سانت كاترين يعود تاريخها إلى القرن الثامن الميلادي وما بعده.
- نشطت حركة الترجمة في القرن الثالث عشر الميلادي، وتم عمل ترجمة منقحة أصبحت هي أساس كل الطبعات العربية اللاحقة، وهى التي مازالت تستعمل في القراءات الكنسية بالكنيسة القبطية حتى اليوم.
- أما الترجمة الموجودة بين أيدينا اليوم والصادرة عن دار الكتاب المقدس (والتي تُعرَف باسم ترجمة سميث-فاندايك)، فقد بدأت قصتها حين أعلن الدكتور غالى سميث عن الحاجة الملحة لترجمة الكتاب إلى العربية من لغاته الأصلية. وكان سميث مرسلاً أمريكياً للمنطقة العربية أمضى فيها قرابة العشرين عاماً حتى أنه أتقن العربية كأفضل أبنائها. وبالفعل بدأ عام 1848 في الترجمة بمعاونة كل من : المعلم بطرس البستاني والشيخ ناصيف اليازجي، وكانا من مشاهير عصرهما في علوم وفنون اللغة العربية. وشرع هذا الفريق في العمل بدقة شديدة حتى خرج أول جزء مطبوع سنة 1850 وكان سفر التكوين. واستمر العمل حتى عام 1857 حين رقد سميث عن عمر 75 سنة؛ وكان قد قطع شوطاً من الترجمة لكنه لم يتمها. لقد توقف عطاء ذلك الجندي ولكن الله لم يتوقف؛ لقد سبق وأعد جندياً آخر هو الدكتور كنريليوس فاندايك وكان طبيباً أمريكياً مرسلاً قد درس العربية بتعمق وكان من أكثر المشجعين لسميث في عمله. واستعان فاندايك بعالم آخر هو يوسف الأسير الحسيني وهو الشهير باسم يوسف الأزهري. وسار فاندايك على نهج سميث في الدقة حتى أتم ترجمة الكتاب كله في 1864 وظهرت أول طبعة كاملة منه يوم 10 مارس سنة 1865م. وقد خرجت تلك الترجمة على قدر كبير من الدقة بعد مجهودات 12 سنة من علماء أفاضل كرسوا جهدهم لإخراجها. وتبع ذلك إنشاء دور الكتاب المقدس التي ساهمت في نشر كلمة الله بسهولة؛ ومنها دار الكتاب المقدس بمصر وأنشئت عام 1883م. - قام بعد ذلك بعض الرهبان اليسوعيين وبمساعدة الشيخ إبراهيم اليازجي بعمل ترجمة عربية صادرة عن الكنيسة الكاثوليكية في نهاية القرن التاسع عشر وهى تمتاز بالبلاغة وفصاحة الأسلوب. - في عام 1988 تم إصدار ترجمة تفسيريه سُمّيَت «كتاب الحياة» والغرض منها تبسيط المعاني وإيضاحها بالأسلوب العربي البسيط.
7- تقسيم الكتاب إلى أصحاحات وأعداد:
- لم تكن الأسفار مقسمة إلى فصول أو أعداد عند كتابتها، إلا أنه بتزايد النسخ والدراسة والحاجة إلى اقتباس عبارات منه أوجد الحاجة إلى تقسيمه إلى عبارات صغيرة. قامت محاولات متكررة لعمليات التقسيم هذه على مر الزمن حتى تم تقسيمه بالصورة النهائية التي بين أيدينا الآن. فتم تقسيمه إلى أصحاحات فى القرن الثالث عشر الميلادي، وإلى الأعداد في القرن السادس عشر الميلادي. هذه هي قصة وصول الكتاب المقدس إلينا في لغتنا العربية. ألا يستحق إلهنا أن نشكره على اهتمامه بنا ليوصل إلينا كلمة الحياة بلغتنا التي نتكلمها ونفهمها فلا نتكلف مشقة العناء في تعلم اللغات الأصلية التي كتب فيها؟ كما لا يجب علينا أن ننسى رجالاً عظماء بذلوا حياتهم ووقتهم لتوصيل هذه الكلمة الغالية إلينا، .ألا يدفعنا هذا إلى أن نكمل المسيرة ونقوم بتوصيل هذه الكلمة التي هي بحق روح وحياة إلى كل مكان؟ «ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام المبشرين بالخيرات» (رومية 10 :15 )