طموحات المؤمن هي سبيكة من دوافع ثلاثة هي: احتياجات الإنسان، وميول الجسد وعطشه الذى لا يرتوى، وطبيعة الله التي فيه والتي لا تهدأ إلا بسيطرة المسيح تماماً.
* كل مؤمن تحركه هذه السبيكة من الطموحات بنسب مختلفة. فيزداد العنصر الإلهي فيها كلما ازدادت شركته مع الرب، وكلما كان المسيح عظيماً أمام عينيه، وعندئذ ينخفض العنصر الجسدي وتشبع الاحتياجات الإنسانية البريئة فينخفض إلحاحها. ويتم فيه القول «النفس الشبعانة تدوس العسل» (أمثال 27: 7). أما عندما تضعف شركته مع الرب عندئذ يرتفع نداء الجسد في داخله وتكون كل طموحاته جسدية ويشارك أهل العالم في شهواتهم ملتمساً لنفسه الأعذار.
طموح المؤمن في أمور الزمان :
* للمؤمن كإنسان احتياجات إنسانية طبيعية يطمح في أن يحققها بنجاح كبير، فيرجو أن «كل ما يصنعه ينجح» (مزمور 1: 1).على أن الحدود الصحيحة لهذه الرغبة هو النجاح في كل ما أوكله إليه الله، وفى المكان الذى وضعه الله فيه في الوقت الحالي. فعليه أن يكون أميناً في هذا المكان وينجح في حدود طاقته. والشطط في هذه الرغبة يؤدى إلى السعي نحو الأفضل بنهم، والسباق والمنافسة مع الآخرين سعياً للمركز الأول بينهم، أو قد يقوده للتذمر على الله ووجود رغبة مُلِحّه لتغيير الحال الذى وضعه فيه الله (مثل الكلية أو الظروف الاقتصادية أو العائلية) بوضع أفضل.
* رجال الله في الكتاب المقدس الذين وصلوا إلى مراكز إنسانية عالية، لا نقرأ عن أحد منهم أنه كان عنده طموح للوصول إلى ما وصل إليه. بل بالعكس كانت طموحاتهم روحية والله رفعهم إنسانياً.
فيوسف مثلاً كان طموحه إرضاء الله «كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله» (تكوين 39: 9)، وكان ناجحاً في السجن، لكن لم يخطر على باله قط أنه سيخرج من السجن ليكون متسلطاً في كل أرض مصر.
كذلك دانيال كان كل ما في قلبه «أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه» دانيال 1: 8 لكن الله جعله عظيماً في مملكة مادى وفارس. وداود وهو يرعى غنيمات أبيه لم يكن يخطر بباله أنه سيكون ملكاً على كل شعب الله.
* إن الرب يعاتب المؤمن الذى يرغب لنفسه مكاناً عالياً في الزمان قائلاً «وأنت فهل تطلب لنفسك أموراً عظيمة، لا تطلب» إرميا 45: 5، فهذه رغبة الرب في حياة كل مؤمن. ü الاكتفاء بما أنا فيه من أمور الزمان ليس سهلاً، فالاكتفاء غريب على طبيعة الإنسان ولكنه يأتي بالتدريب والتعليم « فإني قد تعلمت أن أكون مكتفياً بما أنا فيه ... في جميع الأشياء تدربت» (فيلبى 4: 11 ، 12). فالمؤمن الذى يتدرب ويشبع بالرب ويضع كل آماله فيه يمكن القول «إن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما» (1تيموثاوس 6: 8).
طموحات المؤمن الروحية :
* الطموح الروحي ليس هو أن يكون المؤمن خادماً عظيماً مشهوراً، فهو ليس رغبة الشهرة على حساب الأمور الروحية، ليس أن يؤدى المؤمن أو المؤمنة أعظم الخدمات أو أن يتمثل بالخدام المشهورين. هذه الرغبات الملحة إذا اقترنت بتدفق النشاط والحيوية في كيان الشاب أو الشابة يجعله يربط كل رغباته الروحية بحجم الحركة التي يقوم بها وحجم رضا الآخرين عنه، وازدياد هذا الأمر بالتدريج يزيد من العنصر الجسدي في السبيكة المحركة للطموح ويصل به إلى أنه «يحب أن يكون الأول بينهم» (3يوحنا 9)، وهذا شر.
* كما أنه ليس هو طلب أعظم المواهب والسعي لنوالها للقيام بالأعمال غير العادية، لأن هذا يتعارض مع القول «أن لا يرتئي أحد فوق ما نبغى أن يرتئي بل يرتئي إلى التعقل»، بل هو قبول المؤمن لحجم مواهبه ولسلطان الله في حياته مهما كانت مواهبه صغيرة «كما قسم الله (في سلطانه وليس نتيجة اجتهاد شخصي) لكل واحد مقداراً من الإيمان» (رومية 12: 3). فالله في مطلق سلطانه كما يحدد الجنس والشكل والذكاء... الخ كذلك يحدد المواهب.
* كذلك لا يكون الطموح الروحي عظيماً بالطلب والتمسك بتحقيق الأمور العظيمة أو الاحتياجات مهما كبرت أو صغرت في صلواتنا بحجة الثقة في الله وأنه يستطيع كل شيء، وإن كان لا غبار على طلب كل شيء من الله. نعم هو يستطيع كل شيء، لكنه لا يفعل كل ما ستطيعه، لكنه يفعل كل ما يريده، وكل ما يريده دائماً مقترن بمحبته الكاملة وصلاحه غير المحدود من نحونا. لتكن صلواتنا طموحة جداً، ولكن ليس لقضاء أعوانا أو لتحقيق أغراضنا من شفاء شخص أو نجاح آخر، أو ما نرى نحن أنه صحيح حتى في الأمور الروحية، بل لتكن في دائرة مشيئته «وهذه هي الثقة التي لنا عنده أنه إن طلبنا شيئاً حسب مشيئته يسمع لنا، وإن كنا نعلم أنه مهما طلبنا يسمع لنا نعلم أن لنا الطلبات التي طلبناها منه» (1يوحنا 5: 14 ، 15). هذا هو طموحنا في صلواتنا وتعلقنا بإلهنا، وفى هذه الدائرة نمارس ثقتنا.
* لقد كان الرسول بولس أكثر من يعرف المسيح جيداً، لكن رغباته وطموحاته الداخلية المتملكة منه كانت في معرفة المسيح أكثر، وفى أن يتملك المسيح منه أكثر وأكثر. وكان لسان حاله «لست أحسب أنى قد أدركت ولكنى أفعل شيئاً واحداً إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام أسعى نحو الغرض» (فيلبى3: 13، 14). كان الغرض الموضوع أمامه دائماً هو المسيح في المجد، وهذا أسمى وأروع وأرقى غرض غير محدود أمام القلب. والرسول بولس يضع أمامنا قياساً للطموح يعبر عن أشواق الحياة الإلهية ويدعونا للدخول إلى هذه الدائرة قائلاً «لكى يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم ... حتى أن تسطيعوا أن تدركوا ... ما هو العرض والطول والعمق والعلو وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة لكى تمتلئوا إلى كل ملء الله» (أفسس3: 16، 19). وواضح هنا أن الذى يحقق ويشبع الطموح الروحي الصحيح ليس هو حجم خدمة المؤمن وحركته ونظامه، وليس مقدار ما يفعله المؤمن لأجل المسيح، بل مقدار وحجم سيطرة الرب نفسه على المؤمن وامتلاكه له وحجم تعمق المؤمن بقلبه وعواطفه ليصل أكثر لإدراك من هو الله في ذاته.