لازلت أحاول بنعمة الله أن أراعى ما نصحتنى به فى حديثي مع الآخرين.
(هكذا بدأ الشاب الكلام مع صديقه الشيخ مستكملاً حوارهما عن المعاملة مع الآخرين والذى بدأ ولم ينته بعد.) فأجابه الشيخ:
- وأنا أصلى من أجلك أن يعطيك الرب نعمة فتتمم ذلك.
* دعني أشاركك بمشكلة أخرى تواجهنى فى هذا الصدد.
-هاتِ ما عندك يا عزيزي.
* أحياناً أجد نفسى فى موقفٍ حرج. وذلك عندما أريد أن أتكلم بالحق فى حين يكون هذا محرجاً للبعض أو مؤذياً لمشاعرهم. فما رأيك فى هذا، هل أقول الحق أم أمتنع؟
- بادئ ذي بدء، دعنا نُقر معاً أنه لابد من أن تتكلم بالصدق. والكتاب يحرض المؤمنين على ذلك. فرسالة كولوسى مع أنها وُوجهت إلى مؤمنين أفاضل إلا أن الوحى يحرضهم على التكلم بالصدق (قارن كولوسى 1: 1 مع 3: 9)
* إنى بالطبع لا أسمح لنفسي بأن أكون كاذباً. لكنني في بعض الأحيان أضطر لأن أقول الحقيقة بطريقة خاصة بعض الشيء.
-ماذا تقصد؟
* أقصد أنى قد أضيف إليها بعض ما يجعلها مقبولة، أو أصوغها بشكل مختلف بحيث تُفهم بطريق غير مباشر.
- هل ترى فى ذلك توافقاً مع قول الكتاب «ليكن كلامكم نعم نعم لا لا وما زاد على ذلك فهو من الشرير» (متى5: 37). إن الرب هنا يحذرنا من تزويد الكلام، ثم القول «لتكن نعمكم نعم ولاكم لا» (يعقوب5 : 12) فالكتاب هنا يحرضنا أننا حين نقول "نعم" لابد وأن يكون قصدنا بالتحديد "نعم"، أى أن لا يحمل الكلام مغزى فى باطنه غير ظاهره.
* وماذا عن إخفاء بعض الحق مما يجعل الأمر أخف وطأة؟
- يا صديقي إن الصدق لا يتجزأ. فإما أن أقول الحق أو لا أقوله. ونصف الحقيقة ليس حقيقة على الإطلاق؛ ولا تنسَ أن هذا كان مبدأ إبليس منذ البداية، أعنى التكلم بنصف الحقيقة (تأمل كلام الحية في خادعها لحواء في تكوين 3، تجد أنه كذلك)
* وما رأيك فيما يسميه البعض الكذبة البيضاء؟
- أعتقد أنك قد نضجت بالقدر الكافي لكى تدرك أن الكذب، بكل أنواعه، وبكل ما يصنفه الناس إلى درجات، لايُسمّى إلا كذباً.
* معك الحق.
- ولا تنسَ أن الحق قوة، كما أنه يجعلك حراً. إن له قوة يستمدها من أن ذلك هو الوضع الذى يريده الله لنا وينتظره منا، كما أنه يحررك من مخاوف وشكوك. مخاوف من أن ينفضح أمرك مثلاً، وشكوك فى كل من حولك، فمن لا يتعامل بالصدق يعيش بالشك فى كل ما حوله.
* لكن أحياناً يكون الحق موجعاً أو كما يقولون «الحق بيزعل» فهل أقول الحقيقة مستهيناً بمشاعر من أمامي؟
- بل قل الحقيقة للسبب المناسب فى الوقت المناسب بالطريقة المناسبة فتصبح حقاً.
* هل لك أن توضح لي بعض الشيء ما تقصده.
- قل الحق للسبب المناسب: تحذر، فنحن أحياناً لا نقصد بقول الحقيقة الحق فى ذاته؛ بل قد نبغى إما تعظيم أنفسنا وتحقيق مكسب ما، أو تجريح الآخرين والإقلال من شأنهم، وفى الحالتين لا يكون الحق حقاً.
* وماذا تقصد بالطريقة المناسبة؟
-ما رأيك لو عزمت أن أقدم لك تفاحة، فقذفت بها فى وجهك، وعلى وجهى علامات عدم الرضا؛ فهل تسر بهذه التفاحة؟
* بالطبع لا!
- لكنها تفاحة؟
- لكن طريقة تقديمها جعلتها فى عيني كأسوأ ما يمكن أن يقدم.
- هل فهمت ما أقصد؟ لا تقل الحق ناقداً أو لائماً أو للهجوم والنيل من الآخرين. بل تكلم الحق فى المحبة، وليكن كلامك كل حين بنعمة مصلحاً بملح (كولوسى 4: 6). دع المحبة التى تترفق وتحتمل والتى تسعى إلى بناء الآخرين هي التي تقود كلماتك عن الحق.
* وماذا عن الوقت المناسب؟
- اختر الوقت المناسب لتقول ما تريد. فمثلاً، ليس من المناسب أن تخبر أخاك عن عيب فيه فى وقت يكون هو منفعلاً أو فى وقت يكون بينكما خلاف في أمر ما. لكن اطلب من الرب أن يعطيك الحكمة لتعرف الوقت المناسب ولا تنسَ أن الكلمة المقولة فى وقتها ما أحسنها (أمثال 15: 23).