أحقاً قال الله؟

 بعد أن عرفنا كيف كتب رجال الله الكتاب المقدس بوحى مباشر من الله، وكيف وصل إلينا في لغتنا العربية، نصل إلى السؤال الأخير وهو: "ما هي البراهين التي تثبت عدم حدوث أي تغيير أو إضافة أو حذف في محتويات الكتاب المقدس  على مر السنين الطويلة؟"

وللإجابة على ذلك سوف نذكر بعض الحقائق والبراهين، وما أكثرها، حتى تطمئن القلوب ولا تهتز الأفكار بمحاولات العدو المستمرة للتشكيك أو الإقلال من قيمة كلمة الله بسؤاله القديم «أحقاً قال الله؟»  (تكوين3: 2).

أولاً: شهادة المخطوطات القديمة:-

كما رأينا في الأعداد السابقة يوجد الآن في أماكن متفرقة من العالم مئات بل ألوف من المخطوطات القديمة للكتاب المقدس كله أو أجزاء منه كالاتي: 1- مخطوطات باللغات الأصلية التي كتب بها:- توجد أجزاء يرجع تاريخها إلى سنة 125 ق.م للعهد القديم وإلى سنة 130م للعهد الجديد.

2- ترجمات فى العصور الأولى:-
هى ترجمات يرجع تاريخها إلى القرن الثالث ق.م للعهد القديم وآخرى للعهد الجديد يرجع تاريخها للقرن الثالث ب.م

3- كتابات الأباء فى العصور الأولى للكنيسة:- لقد توصل أحد الباحثين إلى حقيقة هامة، وهى أنه لو افترضنا أن كل المخطوطات الخاصة بالعهد الجديد قد ضاعت أو فُقِدت بالكامل، فإنه يمكننا تجميع وإعادة كتابة العهد الجديد كاملاً مرة ثانية -باستثناء أحد عشر عدداً فقط- وذلك من كتابات آباء الكنيسة الأولين فى القرنين الثانى والثالث والموجودة حتى الآن. من أشهر الأباء الذين اقتبسوا كثيراً من أسفار العهد الجديد فى القرنين الأول والثاني اكليمندس، وأغناطيوس، وبوليكاربوس، وأوريجانوس.  وبلغ عدد الاقتباسات المجمعة أكثر من 30ألف اقتباس، هذا بخلاف الاقتباسات الاخرى فى القرنين الرابع والخامس.

هناك أيضاً اقتباسات كثيرة من أسفار العهد القديم فى كتاب يسمى المدراشة سنة 100ق.م وكتاب المشنا سنة 200م.

4- القراءات الكنسية:

جرت العادة فى الكنائس الأولى على قراءة بعض أجزاء من الكتاب المقدس فى أوقات العبادة، وهذه القراءات مسجلة فى كتب موجودة حتى الآن ويرجع تاريخها إلى القرن السادس وما بعده.

ثانياً: معجزة بقائه:
إن الكتاب المقدس هو أكثر الكتب التى واجهت الهجوم والنقد، بل محاولة الأبادة.  ورغم كل هذا ثبت حتى يومنا هذا ليتحقق القول «العشب يبس وزهره سقط وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد» (بطرس الأولى  1: 25).  لقد مر الكتاب برحلة صراع عنيفة نذكر منها: 1

- المواد التي كتب عليها: كما عرفنا أنه كُتب على مواد قابلة للفناء، ولم تكن هناك إمكانيات متوفرة لحفظه، وكان ينقل عن طريقة النسخ باليد على مدى مئات السنين قبل اختراع الطباعة.  ومع ذلك توجد منه ـ كما رأينا سابقاًـ أعداد كبيرة يفوق عددها كل ما هو موجود من مخطوطات لأية كتابات قديمة أخرى.

2- محاولة الإبادة:
لقد تعرض أكثر من أي كتاب آخر لمحاولات الإبادة والحرق.  فمثلاً في عام 303م أصدر الملك دقلديانوس أمراً بالقضاء على المسيحية وكتابها المقدس، وقام بالفعل بحرق الكنائس والكتب المقدسة، ولكن لم تمض سنون كثيرة حتى جاء بعده الملك قسطنطين الذى أمر بنسخ خمسين نسخة من الكتاب المقدس على نفقة الحكومة. حاول كثير من الملوك والحكام على مر العصور حتى وقتنا الحاضر أن يمدوا أيديهم إلى الكتاب المقدس، سواء بالمنع أو الإبادة، لكن جميعهم ذهبوا وبقى هو حياً فى متناول الجميع.

3- محاولات النقد والتزوير:
قام كثير من الأفراد والجماعات على مر السنين بتوجيه النقد إلى الكتاب المقدس ومحتوياته ومصادره، ولكن جميع حججهم سقطت أمام الكثير من الاثباتات والبراهين التي جاءت بها الاكتشافات العلمية المختلفة.

4- ادعاءات التحريف والتغيير:

توجد ادعاءات كثيرة في الماضي والحاضر بحدوث تحريف وتغيير في مكونات الكتاب المقدس.  ولكن لم تستطع واحدة منها أن تقيم دليلاً واحداً على ما تقوله.  بل على العكس هناك الأدلة الكثيرة التي أثبتت كذب هذه الادعاءات تماماً.

5- محاولات منعه عن الناس:
 
دخلت الكنيسة فيما يسمى العصور المظلمة عندما سيطر عليها أناس ليست لهم علاقة حقيقية بالله. ولتثبيت مركزهم أصدروا قرارات حرمان لكل من يقتنى الكتاب المقدس وأقتُصِرَتْ قراءته على ما يقدم في الكنائس في أوقات العبادة الرسمية.  ووصل الحال إلى أن أصبح اقتناء الكتاب المقدس أو ترجمته إلى لغة العامة جريمة رسمية تعاقب عليها الدولة بتأييد من الكنيسة.  وبكل أسف كم من رجال أتقياء حكم عليهم بالموت والتعذيب بسبب ذلك.  ولكن رغم كل هذا كان الكتاب المقدس هو أول كتاب طبع فى العالم بعد اختراع الطباعة في القرن الخامس عشر الميلادي.

وكما حدث في الماضي يحدث الآن في كثير من الأماكن حيث يمنع دخول وتداول الكتاب المقدس ولكن الكلمة تصل إلى كل مكان عن طريق وسائل الإرسال الحديثة وهكذا نرى عملياً أن "كلمة الله لا تقيد"  (تيموثاوس الثانية 2: 9).

لقد قال يوماً الملحد الفرنسي فولتير "بعد مائة سنة سوف تنمحي المسيحية وتصير مجرد تاريخاً وسيكون المكان الوحيد للكتاب المقدس هو المتاحف"  ولكن ماذا حدث؟  لقد مات هو وصار تاريخاً منسياً وبقيت المسيحية، وانطوت كتاباته ولازال مكان الكتاب المقدس هو قلوب الملايين، بل لقد تحول بيته هو داراً لنشر الكتاب المقدس.