عرفته شاباً ناجحاً، يتدفق حيوية، تلمح فى عينيه الذكاء، كانت خطواته تسبق أيامه. وفجأة انقطعت أخباره لعدة سنوات. أذهلتنى المفاجأة عندما رأيته، وقد رسم الزمن بصماته على وجهه. أخذنا نستعيد ذكريات الماضى، فاحسست بجرح فى أعماقه ثم سألته عن سر غيابه. أجابنى :
إنها قصة طويلة! بدأت بمشورة من صاحب بأن أقترن بها، ورغم تحذيرات العقلاء، رتب لى صاحبى فرصة لقاء بها، فأُعجبت بها، وأحببتها. أسلوبها ناعم ومظهرها جذاب؛ هكذا كانت فى البداية. فأغوتنى بكثرة فنونها، وبملث شفتيها طوحتنى. كنت أذهب إلى عملى، أما قلبى فمتعلق بها، فتدهورت نتائجى، وساءت سمعتى؛ مما أدى إلى فصلى من العمل.
سافرت إلى الخارج وعملت فى وظائف لا يمكن أن أقبلها فى بلدى، وصممت أن أعوض ما فات لأوفر مبلغاً من المال أعود به لأعمل مشروعاً وأصحح أوضاعى. ولكن سرعان ما لحقت بى قرينتى، ولم أكن أود ذلك. فى العمل وجدت فرصة للسرقة، فسرقت المال وسرق منى المال السعادة والسلام. تركت العمل، وبذرت المال بإسراف على قرينتى، فأنا لم أتعب فى جمعه. وظللت هكذا عبداً ذليلاً لها، فكنت أذهب وراءها كثور يذهب إلى الذبح، وكطير يسرع إلى الفخ، إلى أن نفد المال وبدأت أحتاج.وفى أثناء بحثى عن عمل جديد، شعرت بصداع شديد، فجلست فى أحد المقاهى شارد الذهن، مسلوب الإرادة. ثم أقترب منى رجل وسيم، تعرفنا، وعرف ظروفى، ووعدنى بعمل فى أحد مصانعه. وفى انصرافه وضع فى يدى مبلغاً كريماً من المال. ثم أخرج من جيبه منديلاً معطراً وفى دهاء قال لى: إنه مفيد للصداع الذى تعانى منه. أنعشنى المنديل وجدد نشاطى. التقينا فى اليوم التالى وهكذا تكررت اللقاءات وتعودت على المناديل المعطرة، ولم يكن هذا المنديل المعطر سوى الهيروين اللعين. أخذت أبحث عن صاحب المناديل المعطرة، حتى عملت معه فى تجارة المخدرات مقابل استنشاق الجرعة التى أدمنتها. إلى أن سقطت فى يد البوليس ثم حُكمَ علىَّ بالسجن 7 سنوات مع الأشغال الشاقة. وهناك فى السجن عرفت أن وراء كل هذه المصائب هى قرينتى التى سلمتها نفسى فتركتنى مطروحاً مجروحاً.
وفى يوم لن أنساه. زارنى شخص لم أكن أعرفه من قبل، كلمنى وصلى معى، لم أفهم كلامه فى البداية لكن تأثرت بدموعه الغزيرة، فتحت له قلبى ورويت له قصتى. فنصحنى بأن اطلق قرينتى، فوافقته على الفور.
وهنا قاطعت صديقى المتحدث لكن لا يوجد طلاق فى المسيحية
أجابنى صديقى : مهلاً يا أخى، هل تعرف من هى قرينتى؟
قلت بالطبع لا.
فابتسم وقال لى أن قرينتى التى طلقتها هى الخطية.
وهنا ابتسمت مهنئاً إياه بهذا الطلاق المبارك. وفى شوق سألته. لكن كيف حدث ذلك. فقال : كنت أُعالج فى مستشفى السجن من الإدمان وفى الاجتماع الخاص بالصلاة حدثنى واعظ السجن عن أعظم دواء. فسلمته قلبى والكيان . بعد فترة، صدر عفو عام، كنت أنا واحداً ممن شملهم العفو فخرجت وأنا أتمتع بحرية مزدوجة :
الحرية الأولى: من السجن والقيود خلف القضبان.
الحرية الثانية: من سلاسل الخطية وعبودية الشيطان.
صديقى: أينما تكن وكيفما كانت حالتك ان المسيح بمحبته الكثيرة يبحث عنك فلربما تكون نظير آدم مختبئاً خلف الأشجار (تكوين 3)، أو كمفيبوشث خائفاً متعثراً فى لودبار (2صموئيل 9)، وان كنت كيونان هارباً فى أعماق البحار (يونان 1)، أو حتى فى الكورة البعيدة ضالاً وتجنى المرار (لو 15). إن المحبة الالهية والاحضان الأبوية تلاحقك؛
فإلى متى يطول الانتظار؟!