اقرأ تك 9: 20- 27
كثيراً ما نلحظ فى الأماكن العامة (مثل وسائل المواصلات أو محطات القطارات أو أحياناً فى إحدى الجلسات) شخصاً زائغ البصر، لا تكف عيناه عن التحديق فى الناس وفحصهم بتدقيق. وكم يسبب هذا حرجاً للناس الذين ينظر إليهم خاصة إذا كانوا من النساء. هذه هى عيون حام الوقحة، التى لا تتورع عن أن تنتهك حرية الآخرين وخصوصياتهم، بل تختلس النظرات اختلاساً وتقحم البصر لترى أشياء لا يحل لها أن تراها.
ولقد انحطت أخلاقيات هذا الابن العاق درجة أخرى؛ فلم يكتفِ بتلصصه على أبيه فى خباءه ليبصر ما لا يحل له رؤيته، بل دون خجل أو حياء خرج ليخبر أخويه خارجاً بفضيحة أبيهم. إنه ليس فقط صاحب عين وقحة، لكنه أيضاً ذو لسان شرير؛ فبدلاً من ستر العيوب ينشرها.
لكن يصل الانحطاط لمداه إذا انتبهنا أنه يفعل هذا مع أبيه؛ فياللعار! ألم يوصى الله مراراً وتكراراً من جهة احترام الوالدين وإكرامهم؟ وألم يحذر من ويلات إحتقارهم أو الاستهزاء بهم؟ بلى، لكن مع هذا - للأسف الشديد - لازلنا نرى من يحتقرون والديهم إن أخطاءوا أو أساءوا التصرف أو مرضوا أو أصابهم عتَه الشيخوخة. إننا لا ننكر أن نوح قد أخطأ، لكن هذا ليس مدعاة أبداً لحام لكى يستهزئ به، فالعين المستهزئة بأبيها والمحتقرة إطاعة أمها تقورها غربان الوادى وتأكلها فراخ النسر (أم30 : 17).
لكن من الجانب الآخر نرى فى سام ويافث صورة مضيئة لكيف تكون الأخلاق العالية. فهم لم ينتقدوا أباهم، ولم يضيعوا وقتاً مع أخاهم إذ إستهزأ؛ لكن بسرعة آخذا الرداء ووضعاه على أكتافهم وسارا للوراء ليسترا عورة أبيهم دون أن يبصرا شيئاً. فما أبعد الفارق بين واحد يختلس البصر وآخر يجتهد لكى لا يبصر، واحد يخبر وآخر يستر. فما أجملها عيون!
لكن مهما كان جمال عيون الأتقياء فإنها تتضائل وتتوارى خجلاً أمام روعة عينا المسيح فهما «كالحمام على مجارى المياه مغسولتان باللبن جالستان فى وقبيهما» (نشيد 5: 21). وكل إكرام للوالدين مهما عظم يُرى زهيداً أمام روعة خضوع المسيح لأبويه (لوقا2: 15) وأمام محبته وإكرامه لأمه (يوحنا 19: 26 ، 27).وأخيراً دعنى أسألك عزيزى القارئ عن عيونك؛ هل هى جالسة أم إنها دائمة الحركة؟ وعن لسانك؛ هل تخبر أم تستر؟ وماذا ترى أنت فاعل بوالديك إذا شاخا أو أخطآ؟