ذلك هو السيد أنتونى نوريس جروفس والذى ولد بمدينة "نيوتن" ببريطانيا، لوالد غنى وكريم عام 1795. وقد تعرف بالرب كمخلصه الشخصى فى "اكستير"، ومنذ ذلك الحين صار تلميذاً مخلصاً للسيد، محباً ودارساً لكلمة الله بإخلاص وتقوى؛ وقد أنار الرب ذهنه فى حقه المقدس وفتح عينيه على الحقائق الخاصة بالكنيسة. ضحى بعمله كطبيب للأسنان، وكان يدر عليه دخلاً كبيراً، ليخرج كمرسل فى خدمة الرب.
«من أُرسِل؟»
لما اجتاز هنرى مارتن - أحد مرسلى تلك الأيام - من الهند إلى سوريا عن طريق إيران، اهتزت انجلترا كلها لسماع أخبار تلك الممالك، دون أن يتحرك أحد. لكن مستر جروفس قدم نفسه ليحمل الإنجيل إلى تلك البلاد. ولما لم تكن هناك سفينة مريحة على استعداد لتنقله هو ومرافقيه على ظهرها، أعاره أحد الأصدقاء يختاً صغيراً أقلع فيه هو وزوجته وابناه وأخته واثنان آخرين، قاصدين بطرسبرج أولاً. وقد صادفتهم أخطار كثيرة وصعاب متنوعة فى هذا اليخت الذى لم يكن معداً لسفر المسافات الطويلة. وفى سوريا كانوا يسافرون فى تلك الأماكن الوعرة فى عربة متعبة مع كل أمتعتهم؛ فكانوا كل يوم فى أخطار سيول، وأخطار لصوص، أخطار فى المدينة، وأخطار فى البرية.
أمواج متلاحقة
ولكن كل هذه لا تُحسب شيئاً بالمقابلة مع ما كان أمامهم بعد انتهاء الرحلة من بطرسبرج إلى بغداد التى تقع على نهر الفرات بالقرب من الموضع الذى يُظن أن جنة عدن كانت فيه، ولكن مستر جروفس وجدها مكاناً مرعباً؛ حيث الحرارة الشديدة، وتعصب الأهالى وحبهم للقتال والحرب، ومما زاد الأمور سوءاً تفشى الطاعون الذى فتك بالآلاف. وقد كان ملخص الثلاث سسنين التى قضاها مستر جروفس فى بغداد هو الطاعون، والحرب، والمجاعة، وأخيراً الفيضان الذى لم يقف طغيانه وتدميره إلا على رأس الشارع الذى كان يسكنه مستر جروفس. وقد كان أشد تلك الأوقات حزناً على قلبه هو حين ماتت زوجته الشجاعة والنبيلة القلب "ماري" بالطاعون، وهناك ماتت أيضاً صغيرته التى ولدت له فى بغداد، وقد تقبل كل ذلك بتسليم كامل لسيده. وقد تعرض هو نفسه للطاعون إلا أن الرب أنقذه ليكمل رسالته. فى بغداد افتتح مدرسة ازدهرت منذ البداية، وكانت وسيلة للاتصال بالناس وخدمتهم. كما كان علاج المرضى وسيلة أخرى للخدمة، وقد قُبِلَت خدمتهم بين الأرمن كما فتحت بعض الأبواب بين اليهود والسريان ليسمعوا بشارة الإنجيل.
العمل فى الهند
من بغداد انتقل مستر جروفس وعائلته إلى الهند. وإذ وجد هناك أبواباً عديدة مفتوحة للإنجيل، قرر بالاعتماد على الرب أن يبشر لملايين الوثنيين مشجعاً ومتعاوناً مع المرسلين الموجودين هناك.
وإذ رأى حاجة العمل فى الهند، عاد لإنجلترا ومن هناك اصطحب مستر "بودين" ومستر "بير" اللذين عملا وجاهدا وحدهما فى مقاطعة جودافارى قرابة عشرين عاماً إلى أن انضم إليهما آخرون. كان مستر جروفس قد ربح فى أيامه الأولى أحد الهنود اسمه "ارولايان" الذى غدا بطلاً متجولاً بين القرى إلى مسافة بعيدة جنوبى جودافارى، وقد آمن كثيرون بواسطته وتأسست عدة كنائس عن طريق خدمته.
إكمال السعى
وقد كرس مستر جروفس كل جهوده ومواهبه للسعى لتحسين حال المسيحيين الوطنيين فى الهند. وبعد سنوات من الجهاد والتعب فى الخدمة، عاد إلى إنجلترا، حيث رقد فى الرب فى مدينة "برستول" فى مايو 1853.
وحيثما نقرأ عن عمل الرب فى الهند والصين والأماكن البعيدة الأخرى، نجد أنفسنا أمام ذكرى ذلك البطل الذى وضع بمعونة الرب أساساً للاهتمام بالإرساليات لم يزل ظاهراً إلى يومنا هذا. ومع أن الكثيرين قد لا يعرفون عنه الكثير إلا أن الرب الذى لا يغفل عن أقل ما يُفعَل لمجده، سيذكر كل ما تعب فيه ذلك الفاضل حين يهبه المكافأة أمام كرسيه.