ما هو الجسد؟
لست أقصد أجسادنا الطبيعية بمعنى اللحم والدم كما يظن البعض لكنى أقصد الطبيعة الساقطة الكائنة فينا وإذا أردنا أن نقدم تعريفاً للجسد يمكننا أن نقول: هو المحرك فى الإنسان لفعل ما يريد (الإرادة الذاتية) بالاستقلال عن الله وفى الاتجاه المضاد لإرادته.
«لأن إهتمام الجسد هو عداوة لله إذ ليس هو خاضعاً لناموس الله لأنه أيضاً لا يستطيع. فالذين هم فى الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله» (رومية 8: 7،8). ولاحظ أن الجسد ليس فقط ما يتسم بالشر والرذيلة كما يظن الكثيرون لكنه أيضاً ما يتسم بالتدين والانجازات العظيمة. ماذا أقصد بهذا؟ أريد أن أقول إن الجسد يمكنه أن يقوم بأنشطة دينية -يمكنه أن يتحمس للدفاع عن المسيحية- بل ويمكنه أيضاً أن يندفع فى مظاهر بطولية ولكن دون الخضوع لإرادة الله أو التكريس الحقيقي له.
وسمات الجسد هذه ظهرت بوضوح فى شخصية «شاول بن قيس» الملك الأول لشعب اسرائيل. شاول كان الشخص الذى أُعجِب به الشعب جداً لهيئته ومظهره الخارجي فهو «شاب وحسن ولم يكن رجل فى بنى اسرائيل أحسن منه. من كتفه فما فوق كان أطول من كل الشعب» (1صموئيل9: 2). لكن الكتاب المقدس لم يذكر لنا شيئاً عن علاقته القلبية بالله ولا صفاته وأخلاقه قبل أن يعتلى العرش.
غرضه الذات لا مجد الله.
كان شاول مكلفاً من الرب أن يخلص الشعب من يد الأعداء (1صموئيل13: 1-7) إذ تصاعد صراخ الشعب إلى الله. والرب فى رحمته وشفقته عليهم أقام لهم شاول ليخلصهم. لكنه لم يلجأ للرب معتمداً عليه مستمداً منه القوة لإنجاز مأموريته، بل أراد أن يستخدم الأمر لكى يلفت الأنظار إليه. ولما ضرب يوناثان (ابن شاول) نصب الفلسطينيين ضرب شاول بالبوق فى جميع الأرض، وكأنه هو صاحب البطولة «فسمع جميع الشعب قولاً قد ضرب شاول نصب الفلسطينيين. فاجتمع الشعب وراء شاول .... » (1صم13: 3،4). لقد استخدم ما عمله غيره ليتفاخر هو به وليجمع الشعب حوله؛ وهكذا الجسد يتحين أىة فرصة لتعظيم الذات متجاهلاً إكرام الرب. إنه لا يعرف ولا يرغب الشعار «ينبغى أن ذلك يزيد وأنى أنا أنقص» (يوحنا3: 30).
لا يعرف الصبر ولا يطيق الانتظار:
طلب صموئيل من شاول أن ينتظره فى الجلجال حتى يأتي ليصعد المحرقات ويذبح ذبائح السلامة وقال له «سبعة أيام تلبث حتى آتى إليك وأعلمك ماذا تفعل» (1صم10: 8). ومكث شاول سبعة أيام حسب ميعاد صموئيل، ولم يأت صموئيل إلى الجلجال والشعب تفرق عنه (1صم 13 : 8-15). وبمجرد أن تفرق الشعب عنه لم يحتمل شاول الانتظار أكثر من ذلك واندفع فى تصرف خطير لا يجوز له، إذ أصعد المحرقة وهذا دور صموئيل وحده. ولما انتهى من إصعاد المحرقةإذا صموئيل مقبل فخرج شاول للقائه ليباركه، وقدم له أعذاراً واهية لتصرفه: «رأيت أن الشعب قد تفرق عنى وأنت لم تأت فى أيام الميعاد .... فقلت الآن ينزل الفليسطينيون إلىَّ إلى الجلجال ولم أتضرع إلى وجه الرب فتجلدت (وجدت نفسى مرغماً) وأصعدت المحرقة. فقال له صموئيل: قد انحمقت. لم تحفظ وصية الرب إلهك». هذا هو الجسد، يتصرف بحماقة، يندفع ولا يحفظ وصية الرب. أخى الشاب لنتحذر من الاندفاع وراء أفكارنا ولو بدت منطقية. خاصة والشباب يتسم بالحماس والاندفاع بل لنتعلم أن ننتـظر الرب «سلم للرب طريقك واتكل عليه وهو يجرى» (مزمور37: 5). صلِ كثيراً قبل الإقدام على أي أمر وثق في صلاح الله نحوك.
طاعة الله أمر غريب بالنسبة له.
كلف الرب شاول بأن يضرب عماليق ويحرم كل ماله (1صم51) (عماليق في الكتاب يرمز لشهوات الجسد التى ينبغى إماتتها) لكن شاول أطاع جزئياً ولم ينفذ تماماً كلام الرب. «عفا شاول والشعب عن أجاج وعن خيار الغنم والبقر .... وعن كل جيد ولم يرضوا أن يحرموها. وكل الأملاك المحتقرة والمهزولة حرموها». هذه طاعة جزئية، وإن شئت فقل إنها عصيان، والأمر الغريب أن شاول ادعى أمام صموئيل أنه قد أقام كلام الرب ع13، وكان عذره أن الشعب عفا عن الغنم والبقر الجيد لأجل استخدامها لتقديم ذبائح للرب لكن صموئيل واجهه بخطئه وأعلن له المبدأ الإلهى العظيم: «هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب. هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش. لأن التمرد كخطية العرافة والعناد كالوثن والترافيم» (ع22: 23). أحبائى لنتعلم أن الطاعة الكاملة للرب هى أهم ما ينتظره منا، لذا نتعلم كيف ننكر ذواتنا ونروض الجسد و«بالروح نميت أعمال الجسد».