التمرد فى سن المراهقة

   فـى ســن المراهـقـة هل هو ضرورة ؟

التمرد فى هذه السن هو نزعة (غالباً مؤقتة) فى كيان الشاب أو الشابة تتمثل فى الرغبة فى عدم الامتثال للأوامر و النواهى و أحياناً حتى النصائح، وتؤدى إلى سلوكيات مضادة لما تفرضه عليهم السلطات الطبيعية (والدين، مدرسين أو مشرفين من أى نوع).  قد يكون التمرد ظاهراً وواضحاً كما فى حالة الابن الذى قال له أبوه «اذهب اليوم اعمل فى كرمى فأجاب و قال ما أريد» (مت21 : 28-29) وقد يكون خفياً مستتراً مثل الابن الثانى لنفس الأب الذى أجاب قائلاً «ها أنا يا سيد . . .  ولم يمضِ» (ع30).

ويعتبر التمرد واحداً من أكبر مشاكل سن المراهقة ويظهر على هيئة شكوى الوالدين من أولادهم وبناتهم الذين كانوا قبلاً مطيعين ثم تمردوا أو شكوى الأولاد والبنات من والديهم وسيطرتهم وتزمتهم وعدم ترك أى مجال للحرية لهم.  وأحياناً، ولاسيما فى المؤمنين أصحاب الضمير الصالح؛ تظهر على هيئة شكوى الشباب من أنفسهم وعدم قدرتهم على التصدى لإلحاح كلمة "لا" فى كيانهم. 

    بعض أسباب التمرد     
سنقصر كلامنا هنا على التمرد فى سن المراهقة،لأن هذه السمة قد توجد فى أى وقت من العمر - من الطفولة وحتى الشيخوخة - ولكنها فى سن المراهقة تأخذ شكلاً متميزاً ولها أسبابها الخاصة المرتبطة بالنمو النفسى للشاب والشابة، فهى تبدأ فى الظهور فى الذين كانوا فى طفولتهم مطيعين،كما تزداد حدتها جداً فى الذين كانوا فى طفولتهم متمردين.  وفهم الشاب لما يدور فى داخله قد يساعده على التعامل مع هذه المشكلة بطريقة صحيحة نفسياً وروحياً.  ومن أسباب التمرد فى هذا السن:

1- رغبة الشخص فى أن يكون مستقلاً وحراً فى اتخاذ قراره،فهو يرفض أن يظل طفلاً خاضعاً للوصاية وأية قيود على هذه الرغبة تقود الشاب أو الشابة إلى التمرد.

2- شعور الشاب بأن المحيطين به (لا سيما الوالدين) يقدرون ويحبون غيره أكثر منه،نتيجة ضعفات فيه هو مثل الشكل أو المستوى الدراسى يؤدى إلى رفض الشاب لنفسه ويسبب توتراً فى كيان الشاب أو الشابة يظهر فى صورة تمرد وعصيان.

3- وجود رغبة ملحة للاستمتاع السريع عند البعض، مع وجود أفكار خاطئة؛ أن التمرد يؤدى إلى الاستقلال، وهذا سيصل بهم إلى وهم الحرية الزائفة بعيداً عن كل السلطات مما يؤدى إلى متعة غير عادية.  مثل الابن الأصغر فى لوقا 15: 12-13 الذى قال لأبيه «أعطنى القسم الذى يصيبنى من المال ... جمع الابن الأصغر كل شئ وسافر إلى كورة بعيدة».

4- قد يكون التمرد محاولة وبرهاناً لإثبات القوة نتيجة رد فعل شديد للشعور بالضعف.

5- شعور الشخص بأنه لم يأخذ ما يستحقه مع أنه الأفضل مثل الابن الأكبر فى لوقا15: 28 ، 29 الذى لم يظهر تمرده على والده إلا عندما أنعم أبوه على أخيه الأصغر «فغضب ولم يرد أن يدخل ... وقال لأبيه ... قط لم أتجاوز وصيتك، وجدياً لم تعطنى»

6- رغبة فى كيان الشخص - لاسيما الشاب السلبى، الذى لا تكفيه السيطرة الحالية من المحيطين به - لمزيد من الشعور بالاحتواء والتبعية للوالدين أو مسئوليتهم عنه،  فيتمرد وهو يعلم أن هذا سيقابل بمزيد من السيطرة منهم، وبهذا يحقق غرضه ويشبع سلبيته.

7- إدراك الشاب أو الشابة بأن أحد الوالدين - أو كليهما - ذو شخصية مسيطرة، وهو يشبع رغبته هذه فى مزيد من السيطرة على أبنائه.  وبالتالى فالأوامر      والنواهى لا مبرر لها سوى أنها تعود على هؤلاء الوالدين بهذه الفائدة، وتقيد حرية الأبناء.

مساوىْ التمرد وأخطاره


* التمرد هو أكثر سمة تخلق المشاكل بين الشباب وبين والديهم، وهو أول وأكثر نقاط الاحتكاك بينهم، فالوالدون لا يطيقون كلمة "لا"، والأولاد لا يمكنهم الاستغناء عنها.

* التمرد يؤدى إلى تشويه منظر الشاب (أو الشابة) أمام الآخرين، وخصوصاً إذا كثرت شكاوى الوالدين منه.  وبالتالى حدوث فجوة متزايدة بينه وبين المحيطين به، ولاسيما المقربين له.

* الشعور بعدم القدرة على التحكم فى النفس مما يؤدى إلى شعور بالنقص.

* التمادى فى التمرد يجعل هذه الرغبة تنمو وتزداد، فيستمر الشاب فى هذه الطريق إلى منتهاه، وهذا ما حدث مع الابن الأصغر فى لوقا51 الذى بدأ بفكرة، وانتهى بأنه «كان يشتهى أن يملأ بطنه من الخرنوب الذى كانت الخنازير تأكله».

* الشاب الذى يشعر بتمرده ويكون له ضمير صالح قد تنتابه حالة من عدم الرضا عن النفس تؤدى إلى شعور بالذنب «لست مستحقاً أن أُدعى لك ابناً» (لو15: 19)، لاسيما كلما كثر انتهار الآخرين له.

* إذا طال الصراع قد يزداد ويتحول إلى عناد، ثم يتحول بعد ذلك إلى ميول عدوانية.

* قد يؤدى التمرد فى النهاية إلى الرغبة ليست فقط فى أن لا يدور فى فلك آخرين كما كان فى البداية، بل أن يكون هو نفسه مركزاً ومحوراً يدور الآخرون فى فلكه.  يؤدى إلى الاعتداد بالذات والسلوك بالكبرياء والعجب بالنفس وبالآراء الشخصية.  وقد يتحول إلى شخصية غير طبيعية.
وللموضوع بقية العدد القادم