التقى الصديقان من جديد، وكان واضحاً على صديقنا الشاب تلهفه لاستكمال الحديث مع صديقه الشيخ، فبدأ كلامه من حيث توقف حوارهما المرة السابقة.
* انتهينا المرة السابقة عند التصرف الذى على َ أن أفعله إذا أخطأت فى حق آخر. ومن وقتها وأنا أسعى دائماً لأن أعترف بخطئى متى ما اكتشفته
. -عظيم، فليس أفضل من أن تسعى جاهداً لتنفيذ ما تتعلمه عملياً.
*والآن حد ثنى عما يجب على َ فعله فى الحالة العكسية؛ أى عندما يخطئ الآخر فى حقى.
- عندما ترى أن واحداً قد أخطأ فى حقك، فأنت أمام أحد خيارين؛ الأول، وهو رد فعل الإنسان الطبيعى، أن تنتقم لنفسك. وفى ذلك يقول الحكيم: «لا تقل كما فعل بي هكذا افعل به. ارد على الانسان مثل عمله» (امثال 24 : 29).
* لكن هذا المنطق أصبح هو القاعدة المعمول بها حالياً.
- تقصد قاعدة «عين بعين وسن بسن»، لكن لا تنسى تعقيب الرب عليها «أما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر... » (اقرأ متى5 : 38-48).
*وماذا عن الأضرار والإهانة التى قد تلحق بى نتيجة لخطأ الآخرين.
- تذكر مثالنا الكامل «الذي اذ شُتِم لم يكن يشتم عوضا واذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضي بعدل» (1 بطرس 2 : 23).
* واضح من كلامك أنك ترجح الخيار الثانى، أى أن أغفر للمخطئ فى حقى.
- بكل تأكيد يا صديقى، فهذا أمر الكتاب. 7 فضلك اقرأ كولوسى3: 13
* «مسامحين بعضكم بعضاً إن كان لأحد على أحد شكوى. كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضاً».
- ثم اقرأ أفسس4 : 32. o «متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح»
- ما رأيك؟
*فى الواقع أنى فى بعض الأحيان أسامح من أخطأ فى حقى خطأ فى حدود المعقول، ثم جاء ليطلب المعذرة.
- وما هى حدود المعقول التى تقصدها؟
*نها تختلف من حالة إلى أخرى، وتتوقف على ظروف الموضوع، والشخص المخطئ.
- يا صديقى، الغفران هو عمل إرادى بحت، وهو لا يتعلق بالظروف المحيطة بالموضوع؛ فلا يرتبط بطلب الطرف الآخر للغفران، أو استحقاقه له، أو غفرانه هو نفسه لك. ولا تنس أنك أنت الذى ترى أنه أخطأ فى حقك كما أشرت لك، فالمسألة تعود إلى تقديرك الذى قد يخطئ، وهذا أمر لابد أن تضعه فى اعتبارك وأنت تقرر أن تغفر، أقصد أنه يمكن أن تكون مخطئاً؛ فى حين أن الله، وهو عالم تماماً بالأمر، سامحنا. فهل بعد ذلك يحق لنا أن لا نسامح، مهما كانت الظروف؟
* لكن هناك بعض الأخطاء الكبيرة فى حقى، والتى أرى أن صاحبها لا يستحق الغفران.
- إن مقياس الغفران المطلوب، من حيث حجم الخطأ، هو «كما غفر لكم المسيح».
*ولكن قد يفهم من غفرت له أننى موافق على خطئه، وقد يدفعه هذا لمزيد من الخطأ.
-ومن قال إن الغفران يتضمن الموافقة على الخطأ، فالله غفر لنا خطايانا مع أنه لا يقبل تلك الخطايا.
*وماذا عن تكرار الخطأ، بل وربما تزايده؟
- من حيث عدد المرات، سأل بطرس الرب مرة «كم مرة يخطئ الي َ أخي وأنا أغفر له؟. هل إلى سبع مرات؟» رد الرب بالقول «لا اقول لك الى سبع مرات بل الى سبعين مرة سبع مرات» (متى21 : 18-19). أما فيما يتعلق بالمزيد من الخطأ؛ فعليك أن تتسلح بنية الاحتمال، هكذا يقول الكتاب «بكل تواضع ووداعة وبطول اناة محتملين بعضكم بعضاً في المحبة» (افسس 4 : 2). فأنت تغفر، لا ليكف صديقك عن الخطأ، بل لأنك تطيع أمر الله فى هذا الصدد.
* وماذا إذا لم أغفر؟!
- إن لعدم الغفران مضاراً كثيرة.
* ما هى تلك المضار؟
-لقد ضرب الرب لبطرس مثلاً رائعاً يوضح الكثير مما أريد أن أقوله لك، هو مثل العبد الشرير الذى سامحه سيده بالكثير ولم يرد هو أن يسامح رفيقه بالقليل. لذا أرجوك أن تفتح كتابك وتقرأ هذا المثل معى فى متى 18: 23-35.
* ماذا تريد أن توضح لى من خلال ذلك؟
-أولاً، كما نرى من المثل، إنه نوع من عدم تقدير غفران الله لنا أن لا نغفر للآخرين. فبالتأكيد أننا إذا أدركنا كم سامحنا الله وكم غفر المسيح لنا؛ سنكتشف أن كل ما قد نعتقد أن الآخرين مديونون لنا به هو لا شئ بالمقارنة بما سامحنا الله به، وعندئذ سيمكننا أن نسامح الآخرين أيضاً.
* وماذا أيضاً؟
- إن عدم الغفران لا يضر الذى لم نغفر له فقط، بل إننى أيضاً سأضع نفسى تحت ضغوط نفسية واجتماعية متعددة، وقد نرى فى هذا ما يشير إليه زالمعذبونز فى المثل. بل إنى أعتقد أنه فى هذه الحالة سيكون وضع الذى لم أسامحه أفضلمن وضعى، ففى هذا المثل الذى رواه المسيح؛ نرى العبيد وقد تكتلوا ضد الشخص الذى رفض أن يسامح، وتعاطفوا مع الطرف الآخر.
* وهل من مضار أخرى؟
-عدم الغفران يعطل علاقتنا بالرب ويعيق صلواتنا (مرقس11: 25). فبعدم الغفران، أضع حواجز، ليس فقط بينى وبين الآخرين، بل بينى وبين الله أيضاً.
* إذاً فلا مفر من الغفران
- إن الغفران أمر رائع، لا يحتاج فى الأصل لأن نهرب منه.
*لكن أحياناً تواجهنى مشكلة فى هذا الصدد، وهو أننى قد أشعر بالمرارة إزاء الأخطاء التى أخطأ الآخرون بها فى حقى.
- عندما تغفر، لابد أن يتبع ذلك أن تنسى ما غفرته، وتذكر دائماً غفران الله وأنت تفكر فى الغفران للآخرين.
* لكن موضوع نسيان الخطأ هذا صعب للغاية
- على الأقل عليك أن لا تعيد إخراجه إلى السطح مرة أخرى. فلا تجعل مما غفرته النافذة التى منها تنظر إلى صاحبك دائماً. كما لا تعتبره سلاحاً مذخراً لمعارك المستقبل مع هذا الشخص، فتعيد تذكيره بالأمر كلما سنحت لك فرصة أو احتجت أن تبرهن له أنك أفضل منه، أو كمبرر لخطئك أنت فى حقه.
* وهل من ملاحظة عملية أخرى تريد أن توضحها لى فى هذا الشأن؟
- نعم، إدخل الله فى المشهد، افعل كذاك الذى قال: «ليراقب الرب بيني وبينك حينما نتوارى بعضنا عن بعض» (تكوين 31 : 47-50). فلا تتحسب لما بعد غفرانك، ولا تتحفز لأخطاء من غفرت له، لكن دع الكل للرب بقلب صادق؛ وسترى بذلك خيراً.