يوم 14 ابريل الماضى، مرت 86 سنة على أحد أشهر الكوارث البحرية؛ ألا وهو غرق السفينة وبهذه المناسبة نشرت عدة صحف مصرية وعالمية تعليقات على هذا الحادث، كما امتلأت صفحات شبكة الكمبيوتر العالمية (الإنترنت) بسيلٍ من المعلومات والأحاديث عن السفينة؛ خاصة وأن اسم السفينة قد عاد للتردد بكثرة على أفواه الكثيرين هذه الأيام. وبقراءة سريعة لقصة هذه السفينة الأسطورة، كما أسماها الكثيرون، لنا دروس هامة.
أقصى درجات الكمال
استوُحِى اسم السفينة من أسطورة يونانية عن قوم من العمالقة اسمهم "التيتان"، وذلك لضخامتها وعظمتها فى أعين أصحابها. كانت أبعاد السفينة 27م طولاً، 28م عرضاً، 53م ارتفاعاً (تخيلها على أنها بناية ضخمة من 19طابقاً كل طابق فيها به 75 شقة متوسطة المساحة). وقد عبّر المهندس التنفيذى لها عن فخره بها بالقول "بلغت أقصى درجات الكمال لما يمكن لعقل بشرى أن يصل إليه فى الابتكار"؛ فهكذا أرادها المهتمون بها، ولكنها غرقت بزيف كمالها.
ولازال الناس يقيّمون الأمور بضخامتها فى أعينهم، فالأفضل عندهم هو صاحب الثروة الأكبر أو الإمكانيات الأكثر أو النفوذ والسلطان الأعظم؛ كل ذلك دون الالتفات إلى موقف الإنسان من الله. ناسين أنه مهما زادت عظمة الإنسان، فهو يمضى عن هذه الأرض فى لحظة، اسمع ما يقوله الكتاب «لا تحسد عُمّال الإثم، فإنهم مثل الحشيش سريعاً يُقطعون ... قد رأيت الشرير عاتياً وارفاً مثل شجرة شارقة ناضرة (أى يشبه شجرة كبيرة مترامية الأغصان)، عبَر فإذا هو ليس بموجود والتمسته فلم يوجد» (مزمور 37: 1 ، 2 ، 35 ، 36). وما لم يكن للشخص علاقة حقيقية بالله فهو ماضٍ إلى الهلاك «عند موت إنسان شرير يهلك رجاؤه» (أمثال 11: 7). كما يؤكد لنا الكتاب أن كل عظمة فى عين الإنسان تسقط سريعاً «كل جسد كعشب وكل مجد إنسان كزهر عشب. العشب يبس وزهره سقط» (1بطرس1: 24).
ما الذى يغريك من مظاهر عظمة هذا العالم الباطل؟ وهل لازلت تضع قلبك على ما فيه وهو إلى الزوال؟
سفينة لا تغرق أبداً
لُقِبَت التيتانيك بـ"السفينة التى لا تغرق أبداً"؛ لكنها غرقت فى رحلتها الأولى!! كثيرون يخدعون أنفسهم معتقدين أن حياتهم بل وأبديتهم فى أمان، دون أن يكون لذلك الاعتقاد أساس. فالبعض يرى أنه يعمل من الأعمال الصالحة ما يكفى لأبديته، والبعض يرى أنه ليس شريراً بالقدر الذى يذهب به إلى الهلاك. وتعددت أسانيد هذا الأمان الزائف، لكن فات كل هؤلاء أنه لا أمان إلا فى الاحتماء فى دم المسيح بالإيمان به وبكفاية عمله. وللأسف فإن الأغلبية من هؤلاء المخدوعين لا يستفيقوا من هذه الخدعة إلا بعد فوات الفرصة، كذاك الذى عاش مترفهاً ناسياً الأبدية ثم أفاق حين رفع عينيه فى الهاوية فى العذاب، حين كانت الفرصة قد ولّت (لوقا16: 19-26). على أى أساس بنيت أمان مستقبلك الأبدى؟
استهتار قاد إلى الدمار
قام المدير التنفيذى للشركة مالكة السفينة بتخفيض عدد القوارب على ظهرها من 32 إلى 20، ضارباً بذلك عرض الحائط بمواصفات الأمان البحرى، مستبعداً أن يحدث وتغرق السفينة؛ كان ذلك ليحافظ على المظهر الخارجى للسفينة.
كم من المستهترين بمصيرهم الأبدى، استبعدوا أن يكون قضاء الله قريباً، وفى حين ظنوا أن العمر طويل والموت بعيد، انتهت حياتهم فى لحظة، ولسان حالهم كالغنى الغبى فى لوقا 12: 16-12 الذى طمأن نفسه بالقول «لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. استريحى وكلى واشربى وافرحى»، فجاءه الرد الإلهى الحاسم «يا غبى هذه الليلة تُطلَب نفسك منك. فهذه التي أعددتها لمن تكون؟»؛ ثم يعقب الكتاب المقدس بالقول «هكذا الذى يكنز لنفسه وليس هو غنياً للّه».
انشغال حتى الزوال
فى بداية الفاجعة انشغل ضابط اللاسلكى بالسفينة بإرسال برقيات لأقربائه ومعارفه، فأهمل إنذارات متوالية بمواجهة السفينة لخطر الجبال الجليدية التى كانت تعترض طريق السفينة.
صديقى، مهما كانت قيمة الأمور التى تشغلك وتستهلك كل وقتك، فهى لا تستحق أن تصم أذنيك عن تحذيرات تتعلق بأبديتك. تعقّل وفكِر فى أبديتك «لأنه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟» (متى 16: 26).
كبرياء وغباء
اشتهر إدوارد سميث، قبطان التيتانيك، بباعه الطويل فى البحر (40سنة من الإبحار وقت قيادته للسفينة المنكوبة). وقد امتلأ لذلك بالغرور، فلم يعبأ بالتحذيرات بوجود خطر، وظل يبحر بأقصى سرعة سعياً لأن يبلغ مقصده قبل الموعد المحدد فيحقق بذلك شهرة ومجداً.
والكثيرون أخذهم غرور هذا العالم، وظنوا أن بإمكانهم تحقيق الكثير، فاستهانوا بكل المحاذير، منشغلين بتحقيق بعض المطامح أو المطامع؛ فتلف أملهم. «هلم الآن أيها القائلون نذهب اليوم أو غداً إلى هذه المدينة أو تلك وهناك نصرف سنة واحدة ونتجر ونربح، أنتم الذين لا تعرفون أمر الغد. لأنه ما هى حياتكم؟ إنها بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل» (يعقوب4: 13 ، 14).
الأولى هى الأخيرة
فكر معى فى أن رحلة التيتانك الأولى كانت هى الأخيرة، ومع أن الكل على ظهرها كان يزهو بفخر الرحلة الأولى، إلا أن القليلين كانوا قد أعدوا العدة للرحلة الأخيرة. كيفما كنت ترى رحلة سفينة حياتك، وكيفما كان تقييمك لها، دعنى أسألك سؤالاً أجب نفسك عليه بصراحة:هل أعددت عدتك للرحلة الأخيرة؟ وهل تعلم على وجه اليقين وجهتها؟
محاولة متأخرة
قُرب منتصف الليل فوجئ(!) رجال المراقبة على سطح السفينة بأنها تقترب من جبل جليدى. دقت أجراس الخطر وصدرت الأوامر على الفور باستدارة السفينة دورة كاملة فى الاتجاه المعاكس فى محاولة لتفادى الكارثة. ولكن ضخامة حجم السفينة وشدة سرعتها وقربها من الجبل الجليدى، كل ذلك حال بينها وبين النجاة، وفى لحظات بدأت السفينة فى الغرق؛ لقد فات الأوان.
يظن البعض أن بإمكانهم أن يعيشوا حياتهم كما بدا لهم، ثم يسرعون بالتوبة فى آخر لحظات العمر، هل سمعت عن فكر أكثر غباء من ذلك، فمن ذا الذى يعرف آخر لحظات العمر؟! كن حكيماً ولا تفعل كذاك الذى قال لبولس عندما كان يكلمة عن الدينونة «أما الآن فاذهب ومتى حصلت على وقت استدعيك» (أعمال 24: 25)، فضاعت عليه فرصة التوبة إلى الأبد.
موت على أنغام الموسيقى
فى محاولة لبث السلام فى قلوب ركاب السفينة لمواجهة الموت، بدأت فرقة السفينة الموسيقية فى عزف وإنشاد ترنيمة شهيرة يقول مطلعها "إليك اقرب يا إلهى". ومع أنه بالتأكيد هناك من لحق بآخر فرصة للنجاة بالإيمان القلبى بالرب يسوع، لكن الكثيرون قالوا هذه الترنيمة بالفم دون رجوع قلبى للمسيح، فكانت النتيجة أنهم فى حين كانوا يرنمون أنهم يقتربون من الله، كانوا يبتعدون إلى أعماق اليّم ومن هناك إلى الهاوية. فهل رجعت بقلبك إلى المسيح؟ أم أنك تكتفى بقرب الفم والشفتين؟
حب، وأعظم حب
لازالت التيتانك فى أذهان الكثيرين تجسيداً حيّاً لقصص التضحية والحب. فنظراً لقلة مراكب الإنقاذ، فقد أصدر القبطان الأمر بأن يركبها النساء والأطفال فقط. وقد شهدت القصة تضحيات من كثيرين لأجل آخرين، وقصص عن زوجات رفضن الحياة وفضلن الموت مع أزواجهن، فماتوا جميعاً معاً.
ولكن دعنى ألفت نظرك إلى حب أعظم وتضحية أسمى ونتيجة أفضل؛ لقد ضحى المسيح بكل شئ من أجل نفوسنا «مضى وباع كل ما كان له واشتراها» (متى13:46)، مات المسيح لأجلك ولأجلى، لا لنبقى جميعاً أموات، بل ليحيا كل من يؤمن به وينتفع بهذا الحب العظيم.
فما هو صدى هذا الحب عندك، هل تقبله ليخلصك؟ وهل تبادل من أحبك حباً بحب فتحيا مخلصاً له؟