لماذا لم يكمل حسناً ؟

.     هذا هو السؤال الذى قد يتبادر إلى ذهننا عندما نرى مؤمنين كانت لهم بداية حسنة فى حياتهم الروحية، لكنهم لم يواصلوا تقدمهم وشهادتهم.  لقد فتر حماسهم واسترخت أياديهم، فانسحبوا من ميدان الخدمة وارتبكوا بأعمال الحياة.  ماذا حدث معهم؟!

هذا ما سنتحدث عنه من خلال دراستنا لشخصية "يوناثان"، الذى كانت له البداية الرائعة، لكنه للأسف لم يستمر.  فى العدد السابق رأينا إيمانه العظيم بالله، وكيف حقق به انتصارات مجيدة، وقيل عنه «عمل مع الله» ويا للشرف، بل «إنه صنع هذا الخلاص العظيم فى إسرائيل»  (1صموئيل 14 :45).  ليس ذلك فقط لكنه أظهر تعلقاً بداود، بعد النصرة على جليات وقدم له أغلى ما عنده (1صم18 : 1- 4).

وهو فى ذلك صورة لمؤمن حقيقى، آمن بالمسيح المخلص، وعاش حياة التكريس القلبى الصادق له.  لكن يوناثان لم يتمكن من الاستمرار فى ذات النهج بعد أن صار داود مضطهَداً ومطاردَاً من شاول، وابتدأ يوناثان يفارق داود رويداً رويداً، حتى انتهى به الأمر مقتولاً على جبال جلبوع مع شاول أبيه، بينما تولى داود المُلك بعد ذلك فى حبرون.
والسؤال
: لماذا لم يكمل حسناً كما بدأ به؟ أعتقد للأسباب التالية:-

أولاً: أعوزته الشجاعة لينفصل عن شاول
لقد تعلق يوناثان بداود، لكنه ظل على ارتباط بشاول رغم علمه بكراهيته لداود وبمحاولاته المتكررة للتخلص منه.  وأراد يوناثان أن يلطف الجو ويحسن العلاقات، فتكلم عن داود حسناً مع شاول (1صموئيل19 : 4)، بل شهد عنه بشجاعة قائلاً: «لقد وضع نفسه بيده وقتل الفلسطينى فصنع الرب خلاصاً عظيماً لجميع اسرائيل.  أنت رأيت وفرحت، فلماذا تخطئ إلى دم برىء بقتل داود بلا سبب» (1صموئيل19 : 5).
اكتفى يوناثان بهذا، ولم يتصرف كشخص أدرك أن مكانه ليس فى القصر مع شاول، بل فى المغاير والكهوف مع داود.  وفى هذا صورة للمؤمن الذى يحب الرب، ولكنه لا يريد الانفصال عن العالم، دينياً ودنيوياً.

قد يظن أحدنا أنه يمكن الجمع بين المسيح والعالم، ويجتهد أن يعمل صُلحاً بين الاثنين؛ ولكن هيهات!  نعم، وقد يشق علينا أن نعطى ظهورنا للعالم لنتبع المسيح كليّة، فنحاول التوفيق بين الاثنين؛ وننسى أن «محبة العالم عداوة لله» (يعقوب4: 4 )، وأنه «إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب» (1يوحنا 2: 51).  

أخى الشاب هل قلبك متعلق بالعالم بأى صورة من الصور؟  ربما فى علاقة عاطفية لا يرضى عنها الرب؟  ربما ارتبطت بنشاط ثقافى عالمى (فى الكلية) أو بنشاط رياضى مع غير مؤمنين (بأحد الأندية)؛ ألا ترى أن هذا يؤثر على تعلقك بالمسيح وتبعيتك الكاملة له؟   بل ربما تكون مشاركاً فى نشاط دينى له مظهر الخدمة، لكنه فى الحقيقة ليس سوى حماس جسدى لا يؤول لمجد الرب ولا يأتى بثمار حقيقية.

انتبه، إن لم تضع حداً لهذه الارتباطات - التى قد لا تبدو شراً فى حد ذاتها - فستؤثر حتماً على مسيرتك الروحية.

ثانياً: أعوزه التمييز الروحى لفهم فكر الرب
كانت النتيجة لعدم انفصال يوناثان عن شاول أنه فقد أهم ما ينبغى أن يميز المؤمن؛ الفطنة الروحية.  انظر كيف يتكلم عن أبيه مع داود «هوذا أبى لا يعمل أمراً كبيراً ولا أمراً صغيراً إلا ويخبرنى به... لأنه لو علمت أن الشر قد أعد عند أبى ليأتى عليك أَفما كنت أخبرك به» (1صموئيل20: 2  ، 9).  يبدو أنه أحسن الظن فى أبيه أكثر من اللازم، وتجاهل عدواته لداود.  هذا هو المؤمن الذى لا يدرك رداءة الجسد الذى فيه فيطمئن له ولا يتحذر منه.  بل وأكثر من ذلك أنه يقول لداود: «وليكن الرب معك كما كان مع أبى» (ع13).  عجباً هل فقد يوناثان تمييزه الروحى لهذا الحد؟  ألم يفهم أن الرب قد رفض شاول تماماً؟  فكيف يقول «كما كان مع أبى»؟

أخى العزيز هل تعانى من البلادة الروحية فلا تفهم حكم الله على الجسد الذى فيك؟  ألا تعرف أنه مرفوض تماماً وأن لا يوجد فيه شىء صالح؟  هل بعد ذلك لا تلتصق بالرب لتنال القوة للحكم على الذات؟
إن أردت الاستمرار فى التكريس الحقيقى، فإنك تحتاج للفهم الروحى (اقرأ كولوسى1: 9  ، 10).

ثالثاً: أعوزه الإيمان ليتبع الملك المرفوض
يذكر الكتاب أن يوناثان لم يتمكن من مرافقة داود خارج القصر «فقام (داود) وذهب وأما يوناثان فجاء إلى المدينة»  (1صموئيل 20: 42).

«وأقام داود فى الغاب وأما يوناثان فمضى إلى بيته» (1صموئيل23: 18 )، إنه يذكرنى بشاب آخر فى العهد الجديد كانت له خصال حميدة كيوناثان حتى أن الرب يسوع نظر إليه وأحبه ثم قال له يعوزك شئ واحد (مرقس 10: 21)؛ يوناثان أيضاً، أعوزه شئ واحد، واحد فقط، لم يكن عنده الإيمان الكافى ليتبع داود مضحياً براحته ومركزه وشهرته.

وأنت يا صديقى هل يوجد فى حياتك شئ يعيقك عن الاعتراف العلنى بربوبية المسيح واتّباعه بأمانة وإخلاص؟  هل اسم العائلة المشهور؟  أم مركزك المرموق لتفوقك الدراسى؟  أم الوسط الاجتماعى الراقى المحيط بك؟  أم أنك ترغب فى تجنب بعض التضحيات المصاحبة للتكريس للمسيح وتريد أن تتجنب عار المسيح؟!

إن ما يعوزك هو إيمان الثقة المستمرة فى ذلك الشخص العظيم جداً، الذى متى فُتحت عيناك عليه ستراه أعظم من الكل وأفضل من الكل. هل تصلى لتختبر شيئاً مما اختبره بولس إذ قال:

«لكن ما كان لى ربحاً فهذا قد حسبته خسارة.  بل إنى أحسب كل شئ أيضاً خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربى الذى من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكى أربح المسيح» (فيلبى3 : 7، 8).