بينى وبينك . فهم مشيئة الرب؛
- مالى أراك ساهماً يا صديقى؟! (هكذا بدأ الشيخ حديثه محاولاً أن يُخرِج صديقه الشاب عن صمته غير المعتاد)
* عندى حيرة فى بعض أمورى؛ لدىَّ بعض القرارات التى يجب أن أتخذها، والبدائل أمامى كثيرة والاختيار صعب.
- هل الأمر حيوى بالنسبة لك؟ وما الذى يشكل صعوبة فى اتخاذ القرار بالنسبة لك؟
* بالتأكيد أن معظم هذه القرارات حيوية بالنسبة لى، فبعضها ستبقى نتائجه لسنوات طويلة، بل قد يؤثر فى كل حياتى المقبلة. لكن الحقيقة أن حيرتى بالأكثر تتلخص فى أنى أريد أن أعرف فكر الرب فى هذه القرارات قبل أن أتخذها.
- وهل تريد أن تعرف فكره لمجرد العلم، أم لسبب آخر؟
* بل إنى أريد معرفة مشيئته لكى أسلك فيها.
-حسناً، فمشيئته هى المضمونة من وسط كل الاختيارات، أو بالحرى نستطيع أن نقولها بلغة الكتاب إنها «صالحة .. مرضية .. كاملة» (رومية 12 2).
* الأمر أكثر من ذلك يا عزيرى، إنى أحبه لذلك أرغب فى أن أكون فى الوضع الذى يرضيه ويسر قلبه؛ ولذلك أسعى لمعرفة مشيئته.
- لقد وضعت يدك على طرف الخيط يا صديقى، فمن يبغى صادقاً تتميم مشيئة الله فى حياته حباً وثقةً فيه، لابد وأن يوصله الرب فى نعمته إلى ذلك.
* لكن المشكلة تكمن فى كيفية التأكد من مشيئته فى أمر ما حتى أتممها.
-وهل لا تعرف طريقة للتأكد من ذلك؟
*بل إنى أسمع من بعض المؤمنين المحيطين بى الكثير من الطرق، وهذا ما يزيدنى حيرة، ولست أدرى أى الطرق أتبع.
- احكِ لى عن هذه الطرق، ودعنا نفحصها معاً بمعونة الرب.
* البعض يحكم الظروف فى الأمر فيختار ما يجد أبوابه مفتوحة له والظروف سائرة فى اتجاهه.
- يحضرنى هنا مثل من الكتاب. هل تتذكر يونان حين هرب من أمر الرب إلى ساحل البحر، فوجد هناك كل العدة معدة للذهاب إلى ترشيش، فهل تعتقد أن هذه كانت مشيئة الرب له؟!
* بالطبع لا.
- فالظروف، كما ترى، لا تكفى للحكم على الأمر هل هو من مشيئة الله أم لا، والاعتماد عليها وحدها لا يضمن على الإطلاق أن نكون فى خط تلك المشيئة. * فما رأيك إذاً فى من ينتظر من الرب علامات، كأن يحدث شىء غير عادى يرجح كفة أحد الاختيارات، كما كان يحدث مع المؤمنين فى العهد القديم كجدعون مثلاً (قضاة6)؟ أو فى إلقاء قرعة بين الاختيارات المتاحة له، كما فعل التلاميذ (أعمال1: 15 -26).
-لقد كان هذا يتناسب مع الإمكانيات المتاحة لهم وقتها؛ فلم يكن لأى منهم ساعتها الامتياز العظيم الذى للمؤمن الآن؛ وهو سكنى الروح القدس. فبالإيمان بالمسيح يسكن الروح القدس فى المؤمن (أفسس 4: 30)،i ومن ضمن ما يعمله الروح القدس مع المؤمن كابن لله أن يقوده (رومية8: 41 ). لذلك وقد نلنا ما هو أرقى فليس من المنطق أو العقل أن نعود لا ستخدام الأضعف.
* أعرف صديقاً يفتح الكتاب بطريقة عشوائية منتظراً أن يعلن له الرب فكره من خلال الجزء الذى يقع عليه نظره.
- ألا ترى معى صبيانية هذه الطريقة؟! إن الله الذى رتب لكل ما فى الكون نظامه، من الفلك الدوار إلى الخلية متناهية الصغر، فلم يترك شيئاً للعشوائية بل أبدى اهتماماً بأدق التفاصيل؛ هل تعتقد أنه يترك شئون حياتنا، وما أغلاها على قلبه، لطرق عشوائية؟ إن هذا لا يتفق مع طبيعته بكل يقين.
* وآخرون يفضلون طرق كل الأبواب، محاولين السير فى كل اتجاه حتى يُفتح أحدهم.
- إن هذا أمر غير منطقى على الإطلاق، وهو مضيعة للوقت والجهد، كما أنه يعبر عن قلة الوعى. ثم دعنى أسألك ماذا إذا فتحت عدة أبواب أمام قرعات مثل هذا المتذبذب، أما تبقى المشكلة كما هى فلا يعرف ماذا يختار؟!
- وأعتقد أن هناك من يطلب أن يتخذ آخرون القرار بالنيابة عنه.
-إن مشورة الحكماء الروحيين أمر مطلوب أما أن أعتمد تماما على أى بشر فهذا منتهى الطفولة وعدم النضوج، وهو ما لا يرضاه الرب لك. كذلك، لا تنسَ أن هناك قرارات يتحتم عليك اتخاذها فى وقت لا يكون من الممكن الاتصال بمن اعتدت أن يتخذوا لك القرار، وهنا ستكون العاقبة فى منتهى السوء.
*عموماً، دعنا من كل هذه الآراء الآن، وحدثنى من الكتاب المقدس، كما هى عادتك فى إرشادى، وكذا من اختبارك، عن هذا الأمر الهام.
- إن الحديث عن هذا الأمر يطول، وأعتقد أننا سنكمله المرة القادمة، لكن الفكرة التى أود أن أتركها معك هى: "إن من يريد أن يعرف فكر شخص بصورة صحيحة وواضحة؛ عليه أن يعرف هذا الشخص نفسه عن قرب". فكر فى هذا إلى أن نلتقى.