"سيذبحونك ويطبخونك مع نبات الساجو ويأكلونك".
كان هذا تحذير قبطان السفينة لجيمس تشالمرز، المرسل البالغ من العمر 26 عاماً، وهو يغادر بلده اسكتلندا فى يوم 4 يناير 6681، بعد زواجه بيومين فقط، وهو فى طريقه لخدمة الرب كمرسل فى جزيرة "راروتنجه" بالمحيط الهادى.
أجاب تشارلمز القبطان: وماذا يعنى أن أموت؟ لقد مُتُّ فعلاً قبل أن آتى إلى هنا؛ إن شعارى «من أجلك نُمات كل النهار، قد حسبنا مثل غنم للذبح» (رومية8: 36 ). ولكنك عريس جديد، فلا أنصحك أن تدفن نفسك فى هذه الأماكن؛ هكذا أردف كبير البحارة.
أجابه جيمس: تقصد أزرع نفسى. لقد قال مخلصى يسوع المسيح «إن لم تقع حبة الحنطة فى الأرض وتمت فهى تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير» (يوحنا21: 42 ). لقد مات هو، أى زُرِع، وأتى بى. أنا واحد من هذا الثمر الكثير. فإن زُرِعت مثله ومُت لأُثمر نفوساً كثيرة له، سأكون زرعت نفسى وليس دفنتها. فقال القبطان لكبير البحارة: دعه فى هذه المخاطرات التى ستنهى حياته.. وضحكا وتركا تشالمرز.
وصل جيمس تشالمرز إلى الجزيرة، وكم عانى من المخاطر فى المحيط. وعندما وصل رأى شرور هؤلاء الوثنيون؛ كيف يربطون أولادهم على مذابح قاسية ثم يسخنونها لدرجة الاحمرار ليقدموا أجساد هؤلاء الأطفال المساكين كذبيحة للتماثيل الحيوانية أو الحجرية أو الفلكية، وسط أصوات الطبول التى تعلو عن صراخ الذبائح الإنسانية إلى عنان السماء.. كانوا يصطادون ضحاياهم بنفس الطريقة التى يتم بها اصطياد الحيوانات.
بعد قضاء 11 عاماً فى هذه الجزيرة غادرها تشالمرز مع زوجته وأولاده إلى جزيرة غينيا الجديدة شمال استراليا؛ وهى جزر مترامية الأطراف. وهناك فقد المرسل زوجته بسبب الأوبئة والأمراض. وفى عام 1878 ترجم هذا المرسل المتفانى فى حب للنفوس، بل لمخلص النفوس، كل إنجيل مرقس وأجزاء أخرى من الكتاب المقدس.. وكما حدث فى راروتنجه، حدث فى غينيا الجديدة؛ زُرِعَت كنائس كثيرة.. تغير وثنيون بالمئات، تاركين عاداتهم وأوثانهم ليعبدوا الله الحى الحقيقى فى الرب يسوع المسيح.
كان عام 1891 عاماً صعباً فى حياة تشالمرز.. لقد رأى بعينيه أبشع مجزرة؛ حيث أكلت إحدى القبائل كل المبشرين الموجودين فيها وأطفالهم مع نبات الساجو، لكنه لم يتراجع واستمر فى تضحياته.
تبرع الإخوة فى إنجلترا فى عام 1891 بشراء سفينة للمرسل، فاشترى السفينة "ميرو" التى ظل يستخدمها فى نقل الإنجيل والكتب الروحية الأخرى لتجلو ظلام هذه الأماكن المظلمة فى الشرور والوثنية والسحر.
وفى يوم، وصل تشالمرز، مع رفيقه المرسل أولفر تومكنس، إلى منطقة ريسك بوينت (معناها نقطة الخطر)، حيث كانت تسكن أشرس القبائل التى تزين بيوتها وتتباهى بجماجم من يأكلونهم، وكان معهم أطفال، وما أن وصلوا إلى هناك حتى تجمهر المتوحشون وأخذوا المبشرين والأطفال وذبحوهم وأكلوهم فعلاً مع نبات الساجو.
صديقى صديقتى ..أعلم أنك تتعاطف مع تشالمرز، ولكنى أخاف أن تلومه أنه خاطر بنفسه لأجل المسيح والإنجيل، فى حب عملى صادق للنفوس. ولكن لا تنسَ أنه خلال 35 عاماً، قبل أن يأكلوه، ربح المئات منهم للمسيح، وأسس عشرات الكنائس، وترجم الانجيل إلى لغاتهم؛ ويشهد التاريخ أن المسيحية أنتشرت هناك ومازالت تنتشر حتى هذه اللحظة التى تقرأ فيها هذه القصة الواقعية بسبب خدمة وتضحية هذا الخادم الرائع!!
القارئ العزيز ..القارئة العزيزة إن تشالمرز مات ولم يشعر بعد ذلك بألم الطبخ مع نبات الساجو أو الأكل منه، أما الرب يسوع المسيح؛ الذى تعلم منه جيمس تشالمرز وآلاف القديسين عبر عصور الكنيسة الطويلة، كان هو حبة الحنطة الحقيقية التى وقعت فى الأرض وماتت على الصليب، وأتت بنا نحن الثمر الكثير.. لقد كان خروف الفصح، الذى يشير إلى ربنا يسوع، يشوى بالنار «لا تأكلوا منه نيئاً أو طبيخاً مطبوخاً بالماء بل مشوياً بالنار» (خروج21: 9 )، فما كان يمكن الأكل منه مطبوخاً بالماء، حيث درجة الحرارة لا تزيد عن 100 درجة مئوية، فذلك كان سيعنى أن المسيح تألم كشهيد، ولكن اسمعه يقول فى الترنيمة:
كان كل شىء فىَّ يحترق
يحترق فوق الصليب
فى يدىَّ وأرجلى فى الرأس
نار نار كاللهيب
«من العلاء أرسل ناراً إلى عظامى فسرت فيها» (مراثى1: 31 )، «لأن خاصرتى قد امتلأتا احتراقاً» (مزمور 83: 7)، إنه شُوىَّ وحُرِق أولاً، وشعر بكل هذا قبل أن يموت؛ هل ترى الفارق؟ إن آلامه الكفارية، لم ولن يشاركه فيها أى إنسان من البشر.. فهل نشبع به «على أعشاب مرة يأكلونه» (خروج 21: 8)، بشهية حقيقية للتمتع به وفى إدراك كامل لما احتمله إذ تألم لأجلك؟ هل تقبله فى حياتك وتضحى لأجله صدى لما ضحى به؟ هل تقرر أن تقدم له كل الحياة ومن الآن؟
إذاً صلِّ معى الآن: صلاة: يا من شويت باللهيب.. عنى هناك فى الصليب.. أحبك يا ربى الحبيب.. متعنى بخلاصك العجيب ..آمين