جاء فى جريدة الأخبار فى إبريل سنة 3891 أن أرملة عندها ستة أولاد، كانت تعمل فى تجارة الشنطة ما بين القاهرة وبيروت، لتستطيع أن تسدد احتياجات أسرتها الفقيرة والكثيرة العدد. غرّر بها تاجر مخدرات فى بيروت؛ فأعطاها عدة أنابيب مليئة بمسحوق الهيروين على أنها أدوية لازمة لإنقاذ إنسانة مريضة وعليها أن توصلها إليها بمجرد وصولها للقاهرة. قُبض عليها فى مطار القاهرة، واعترفت بكل بساطة بما حدث معها. قُدمت للمحاكمة بتهمة الإتجار فى المخدرات، وكان القاضى متأكداً من براءتها، ولكنه كرجل للقانون اضطر، تنفيذاً للقانون الخاص بالمخدرات، أن يحكم عليها بالسجن المؤبد. ولكن لشدة تأثير ضميره عليه، ومدى إحساسه بأنها مظلومة، أُصيب بذبحة صدرية، واستقال من عمله ...!!
فى هذه القصة الواقعية نرى العدالة، فالجريمة لابد أن تنال عقوبتها مهما كانت الظروف. ولكن أين الرحمة؟ بدون شك، لو أن ذلك القاضى حكم ببراءتها، لكان ذلك انتقاصاً للعدالة، رغم تأكده من أنها إنسانة قد غُرر بها.
فلا يمكن إذاً للرحمة والحق أن يلتقيا فى مكان واحد. ولكن يقول الكتاب المقدس فى مزمور 85 إن «الرحمة والحق التقيا، البر والسلام تلاثما». كيف تتلاقى الرحمة التى تطالب بالبراءة، مع الحق الذى يطالب بأقصى العقوبة؟ وكيف يتعانق البر، أى العدالة المرهبة، مع السلام الذى لا يعرف الرهبة؟
الإجابة الوحيدة هى : صليب المسيح. فهناك تجمعت كل خطايانا وآثامنا، لكى تُسدد عنها كل العقوبة، بلا أى تساهل أو نقصان. وفى هذا نرى العدالة الكاملة، فالله القدوس لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين. ولكن العقوبة والدينونة لم تنصب علينا نحن المذنبين، بل على المسيح، بديلنا الذى مات عنا على الصليب، وفى هذا نرى الرحمة الكاملة والمحبة الكاملة.
وهذا هو نفس ما قاله المسيح بفمه الطاهر فى إنجيل يوحنا أصحاح 3: 16 «لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكى لا يهلك كل مَنْ يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية». وهذا أيضاً هو نفس فكرة الذبائح التى كانت تقدم عن الخطية: فقانون الله يقول إن أجرة الخطية موت، وإن النفس التى تُخطئ يجب أن تموت. ولكن الحل البديل الوحيد كان هو: الذبيحة. فكان يؤتى بحيوان طاهر من البقر أو الغنم، وأيضاً كان يجب أن يكون صحيحاً بلا عيب أو مرض. ثم يضع الإنسان المخطئ يده على رأس الذبيحة البريئة معترفاً بخطيته التى اقترفها، فتنتقل خطيته إلى الذبيحة التى لم تخطئ، فتُذبح ثم تُحرق بكاملها، بينما ينجو مقدمها من العقوبة بالكامل.
فالمسيح حمل الله القدوس الذى بلا خطية، هو الذبيح الأعظم الذى أتى من السماء ليموت على الصليب حاملاً خطايانا مكفراً عنها أمام الله، حتى أن كل مَنْ يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا. فهل احتميت فى صليبه عزيزى القارئ؟