هى شعور طبيعى موجود فى جميع الناس، يظهر عندما يشعر الشخص أن هناك من ينافسه فى المجال الموجود فيه. سواء ينافسه على امتلاك محبة الآخرين أو تقديرهم، أو ينافسه على امتلاك صفات معينة حسنة؛ سواء أمور مادية أو خصائص إنسانية. يشعر أن له أحقية فيما يغار عليه، وأن ما يغار عليه له قيمة كبيرة فى عينيه، ومن ثم يرغب فى امتلاك الشخص أو الشىء الذى يغار عليه، ويرغب فى التخلص من المنافس الذى يغار منه. والغيرة تختلف من شخص إلى آخر؛ كمّاً ونوعاً، ولكنها تزيد فى كيان الشخص إذا وُجِد عنصر المنافسة والنزاع على ملكية الشخص أو الصفة المرغوبة، وقد تصل إلى أن تكون «الغيرة قاسية كالموت» (نشيد8: 6 ).
ومشاعر الغيرة موجودة منذ الطفولة، وفى جميع الأعمار، ولكل مرحلة عمرية عناصر غيرة متميزة؛ فالطفل يغار على محبة والديه من إخوته، والتلميذ يغار على تقدير مدرسه من زملائه، والزوج والزوجة يغار كل منهما على الآخر من أى شخص أو أى شىء غريب، وفى منتصف العمر تكون عناصر الغيرة الرئيسية هى الأموال والممتلكات والمركز الاجتماعى. أما فى سن الشباب، فأكثر شىء تظهر فيه الغيرة هو اكتساب تقدير ومديح ومحبة الآخرين المحيطين بالشاب أو الشابة، وذلك سعياً لإثبات الذات وتحديد الهوية.
دوافع الغيرة فى المؤمن مثل غيرها من المشاعر الإنسانية، يحركها سبيكة من الدوافع الداخلية بنِسب مختلفة، متوقفة على حجم شركة المؤمن مع الرب فى وقت التعامل مع هذا الشعور
1-دوافع إنسانية بريئة: موجودة فى المؤمن وغير المؤمن، وهى تعبير عن احتياج الشخص للآخرين ورأيهم فيه وتقديرهم له، وشعوره بالانتماء لهم
وأحقيته فيهم. وهذا الدافع محرك طبيعى للغيرة الطبيعية المروَّضة، ومقبول فى حدوده الطبيعية. ولكن كلما زاد عنصر الغيرة الطبيعية فى الشخص كلما دل هذا على عدم النضوج والقصور، وعدم الاستقلال فى التبعية والاعتماد على رأى الآخرين فيه.
2- دوافع جسدية: الجسد فى المؤمن يريد أن يمتلك كل شىء لنفسه ويستأثر به، ولا يطيق أن يشاركه أحد فى شىء، ويريد أن ينال هو كل شىء. وكما قال أحدهم عن الجسد إنه فى الفرح يريد أن يكون العريس وفى الجنازة يريد أن يكون الميت. وهذه الغيرة ينشأ عنها كل ثمار الجسد من تحزب وعجب وشقاق، إنها «غيرة مُرّة وتحزب» (يعقوب 3: 41).
3- دوافع إلهية: كذلك على قدر سيطرة الطبيعة الجديدة بخصائصها الإلهية على كيان المؤمن، على قدر ما تتحول هذه الدوافع الإنسانية البريئة إلى رغبات روحية تكون لها الخصائص الإلهية «فإنى أغار عليكم غيرة الله» (2كورنثوس11: 2 ). فالمؤمن يرغب أن يستأثر كل فكر فيه وفى كل المؤمنين للمسيح، وهو يدرك أن للمسيح على عروسه المخطوبة الحق فى كل شىء، فيرغب أن يكون هو مع جميع المؤمنين «عذراء عفيفة للمسيح» ويغار أن يمتلك كل خاصية محببة للمسيح.
فوائد الغيرة بالنسبة للمؤمن: يمكن للمؤمن أن يستفيد من كل المشاعر الإنسانية التى تعمل فى نفسه، سواء حاول الجسد أن يستخدمها، أو استخدمها العنصر الإلهى فيه؛ وللغيرة فوائد مثل:
*اكتشاف المؤمن لنفسه فعندما يغتاظ من تقدير الآخرين لغيره أكثر منه مرة ومرات، عندئذ يتعلم حجم الأنانية التى فى داخله وإلى أى حد هو يريد كل شىء لنفسه، سواء محبة أو تقدير أو خلافه.
* اكتشاف المؤمن لبعض الاحتياجات النفسية
وبعض الخصائص المحببة التى يجدها فى الآخرين وغير موجودة فيه، مثل المحبة والوداعة والحلم، فيسعى جاهداً مصلياً لامتلاك هذه الخصائص الحلوة «حسنة هى الغيرة فى الحسنى» (غلاطية4 : 18 ).
*الغيرة فى الشباب قد تؤدى إلى اتقاد الطاقات الكامنة فى الداخل
، لأن من طبيعة الغيرة أن يصاحبها مشاعر متقدة، حتى أن هناك شريعة تسمى «شريعة الغيرة» (عدد5: 29 )، ولها لهيب نار متقدة.
* مشاعر الغيرة المتقدة تعطى قوة للتنفيذ وطاقة للحركة تجعل الشخص يتخلص من الرتابة والتكاسل. فالغيرة تجعل المؤمن يتخذ خطوات عملية للدفاع عن ما يغار عليه «غيرة بيتك أكلتنى» (مزمور 69: 9 )، والرسول يتكلم عن ما تنشئه الغيرة فى داخله من قوة دافعة «كم أنشأ فيكم من الاجتهاد .... بل من الغيرة» (2كورنثوس 7: 11).
مساوئ الغيرة غير المروضة
أضرار الغيرة تظهر فى حالة ترك العنان لمشاعر الغيرة الإنسانية وعدم ترويضها، ثم عندئذ يستخدمها الجسد، ويكون هو الجزء الغالب فى سبيكة الدوافع التي تحرك هذا الشعور الإنسانى، مما قد يؤدى إلى:-
* ثورات الغضب غير المفسّرة عند البعض، وقد تصل إلى حد الاعتداء على الآخرين للفت النظر؛ وما يتبع ذلك من تشويه الصورة أمام الآخرين.
* العناد والعصيان والتمرد وربما القسوة على الحيوانات عند البعض الآخر.
* السلوك بمشاعر مرَضية وادعاء المرض لجذب نظر المحيطين واستجداء اهتمامهم.
* الاكتئاب والخوف وربما الانطواء والشعور بالنقص.
*النكوص إلى مراحل الطفولة الأولى: الامتناع عن الأكل ... الخ.
* مشاعر الحقد على الآخرين، وربما استخدام كلمات التحقير للإقلال منهم.
* تحول الغيرة إلى حسد وما يصاحبه من رغبة الانتقام حتى القتل.
تعامل المؤمن مع نفسه فى حالة الغيرة غير المروضة:
* من أكثر الأشياء التى تقوده إلى الرب للتعامل معه، لأنها أكثر شىء يبين عدم قدرة الآخرين أو الظروف للوفاء باحتياجات المؤمن، وبالتالى فهو يحتاج إلى مصدر آخر كافٍ للوفاء بهذه الاحتياجات. وإذا لجأ المؤمن، أو المؤمنة، فى حالة شعوره بغيرة متقدة، إلى الله، فمع الوقت يتعلم أن يكون الله بالنسبة له هو مصدر المحبة والتقدير اللذين لم يجدهما فى الآخرين، ومصدر الثقة والسرور اللذين يعجز الآخرين عن منحهما له.
* على المؤمن أن يفهم ما فى داخله، ويسعى للحصول على ما هو مفيد فقط من دوافع الغيرة، وينمى العنصر الإلهى ليستخدم هذا الشعور الإنسانى بكيفية صحيحة، ويحذر من إعطاء الفرصة للجسد ليحولها إلى الحسد البغيض.
* يقبل المؤمن نفسه فى محضر الله، يشكره على ما منحه له، ويشكره على ما حرمه منه، واثقاً أن محبة الله لا تحرم المؤمن من شىء إلا لأن الله المحب يرى أن هذا خير له. وكذلك يتعلم أن يشكر على ما منحه الله للآخرين حتى ولو كان هو محروماً منه