بينى وبينك . فهم مشيئة الرب؛

عاد الصديقان لاستكمال حديثهما عن فهم مشيئة الرب؛ فبادر الشاب بالحديث:

* لا زلت أذكر كلماتك التى أنهينا بها حديثنا السابق "إن من يريد أن يعرف فكر شخص بصورة صحيحة وواضحة، عليه أن يعرف هذا الشخص نفسه عن قرب".  وأود الآن أن توضح لى قصدك بها.

- إن مشكلة الكثيرين فى صدد فهم مشيئة الله؛ هى أنهم يبدأون متأخراً.

*  ماذا تقصد بكلمة "متأخر"؟

- أقصد أنهم لا يفكرون فى معرفة فكره إلا وقت أن يكون عليهم أن يتخذوا قراراً، وبصفة خاصة القرارات الهامة؛ وهذا ما يجعل الأمر صعباً للغاية.

* وما وجه الصعوبة فى ذلك؟

-إنها تكمن فى أمرين: أولهما أن الضغط العصبى المصاحب لضرورة اتخاذ القرار يُصعِّب الأمور جداً، إذ أنه كفيل مع الظروف المحيطة أن يؤدى إلى تشويش الفكر؛ فلا يكون من السهل فَهم إن كان هذا الأمر من الرب أم لا. o  والأمر الثانى.

- دعنى أوضحه بمثال.  إذا تخيلت اثنين على علاقة وطيدة ومستمرة، يلتقيان كثيراً، ويتبادلان الأحاديث باستمرار فى شتى المجالات، يستعرضان الأفكار فى دروب مختلفة؛ باختصار فالشركة بينهما على أعلى مستوى.  فإذا افترصنا أن أحدهما احتاج يوماً أن يعرف فكر الآخر فى موضوع ما؛ فهل تعتقد أن يكون هذا أمراً صعباً؟

*  بالطبع لا.

- إن كلاً منهما يعرف كيف يفكر الآخر بصفة عامة، ويدرك آراء الآخر فى مجالات عديدة، لذلك فمن الطبيعى جداً أن يفهم فكره فى نقطة محددة عندما يحتاج إلى معرفة فكرته.

* هذا مؤكد.

-  على العكس من ذلك، إذا كانت العلاقة سطحية بين الاثنين؛ فإذا طلب أحدهما فكر الآخر فسيجد كلاهما صعوبة فى ذلك، لأنهما غير معتادين على تبادل الفكر، بل قل إن لغة كل منهما وتعبيراته ليست مفهومة للآخر.

*  لقد أدركت قصدك.

- إذاً، احفظ نفسك دائماً فى شركة مع الرب، واجتهد فى أن تفهم أفكاره من خلال المكتوب.  لا أقصد فقط ما تعتقد أنه يخصك من هذه الأفكار، بل اسعَ لأن تفهم كيف يفكر بصفة عامة؛ من خلال معاملاته مع شخصيات فى الكتاب، أو من خلال إعلاناته ووصاياه.  اسأل نفسك أمام هذه الأمور عن سبب تصرف الرب هذا، وسبب وصيته تلك؛ ولا تأخذ الأمور بسطحية.

*  أَوليس ذلك صعباً؟

-  لا تنسَ أن الروح القدس يسكن فيك كمؤمن، وهو الذى يفحص أعماق الله (1كورنثوس 2: 10)، ويمكنه أن يعلّمك إذا اتحت له الفرصة.  كما أن وعد الرب أن «سِرّ الرب لخائفيه، وعهده لتعليمهم» (مزمور25: 14 ).  فلا تخشَ، لأنه متى أعلنت عن هذه الرغبة للرب وطلبتها بصدق، فسيعطيك سؤلك.

* وهل من نصيحة عملية؟

- اهتم دائماً أن تسير حسب فكره فى أدق تفاصيل حياتك؛  الكتاب يقول «فى كل طرقك اعرفه وهو يقوّم سبلك» (أمثال3: 6 )، لاحظ كلمة «فى كل»، فالوحى يقصدها.

* هل تقصد فى الصغيرة والكبيرة؟

- نعم.


* حتى إن بدا القرار منطقياً؟

- حدث يوماً أيام يشوع أن الشعب اتخذ قراراً بقبول الجبعونيين ليقطعوا معهم عهداً، على اعتبار أنهم ساكنون بعيداً عنهم؛ إذ أخذوا بالتفكير المنطقى من مظهرهم دون أن يفكروا فى استشارة الرب، فيقول الكتاب «فأخذ الرجال من زادهم (أى ما استنتجوه منه) ومن فم الرب لم يسألوا» (اقرأ القصة كاملة فى يشوع 9).  ولقد كان القرار خاطئاً ودفع الشعب ثمنه لسنين طويلة، إذ بقى الجبعونيون فى وسطهم مصدر إزعاج مستمر لهم.

* إن الأمر جد خطير.

- دعنا لا نثق فى منطقنا الشخصى؛ ولا تنس أننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً دون الرب (يوحنا15:5)، لا الصغيرة ولا الكبيرة، كما تكلمنا من قبل.  كذلك يحرضنا الكتاب بالقول «توكل على الرب بكل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد» (أمثال 3: 5).

*  لم أفكر فى هذا الاتجاه من قبل.

- إذاً جربه من الأن؛ اهتم أن تسير خلف الرب فى أدق التفاصيل، ستجد أن الأمر سهلاً إذ تسير معه خطوة بخطوة، بداية بالأمور البسيطة، متعلماً كيف تكوِّن أفكارك من خلال شركتك معه.  وبالتالى متى جاء وقت اختيار هام فى حياتك، وكان عليك عندئذ أن تتخذ قراراً مصيرياً، كالكلية التى تلتحق بها أو ما شابه ذلك؛ ستجد نفسك معتاداً على فهم فكر الرب.  ابدأ هذا من الآن، واخبرنى بالنتيجة فى لقائنا القادم؛ فلا زال لحديثنا بقية.

* وهل تريد أن تترك معى فكرة كالمرة السابقة؟

- أحيلك إلى القانون الذهبى لفهم مشيئة الرب، وأقصد به رومية 12:1-3، اقرأه مصلياً، وفكر فى كل جزئيات الكلام؛ إلى أن نلتقى