هيا كُنْ رجلاً
من سمات الرجولة ضبط النفس، فإن رأيت شابًا أو شابة يستطيع التحكم في نفسه، فلا شك أنك تشعر أنك أمام شخص ناضج قد تخطى مرحلة الطفولة ويمكن الاعتماد عليه في أية مسئولية. والأهم من ذلك أن مثل هذا الشخص صار نافعًا للرب، وله تأثير قوى وفعال في الوسط الذى يوجد فيه.
لكن هؤلاء الأشخاص قليلون وقلّما التقينا بمن يتصفون بالتحكم في النفس. ولا غرابة فإن الناس في عصرنا هذا (في الأيام الأخيرة) يتصفون بأنهم «عديمي النزاهة» (2تيموثاوس 3: 3) - أي لا يضبطون أنفسهم وهم جامحين في أهوائهم. ألا نرى مظاهر هذا حولنا في انهيار القيم والتلاعب بالقوانين وعدم احترام حتى اشارات المرور؟! بل حتى في معاملات الناس معًا: سرعة الغضب، ارتفاع الصوت واستخدام كلمات نابية، التهديد والتلويح بالانتقام، عدم الصبر، الانغماس في الشهوات والجري بجنون في تيار الخلاعة؟! لقد سبق الكتاب المقدس ووصف هذه الحالة بالقول «مدينة منهدمة بلا سور، الرجل الذى ليس له سلطان على روحه» (أمثال25 :28 )• وما أكثر المدن المنهدمة التي نقابلها كل يوم!!
التعفف
ضبط النفس هو ما يسميه الكتاب المقدس «التعفف» Self-control وذُكر ضمن ثمر الروح (غلاطية 5: 32) وكواحدة من ثمار الحياة الإلهية التي على المؤمن أن يُظهرها (2بطرس 1: 6).
والتعفف لا يظهر فقط في الانضباط في الأكل والشرب ورفض الشهوات والنجاسة، لكنه يذهب أبعد من ذلك• إنه يعنى القدرة على التحكم في الأفكار والتحكم في المشاعر والانفعالات وضبط اللسان والأقوال. وأقصد بهذا لا مجرد إدانة النفس عندما تعمل الخطية فقط، بل التحكم فيها وضبطها حتى لا تعمل الخطية، وهو أمر يحتاج إلى قوة إلهية وليس مجرد محاولات ذاتية.
ضبط الأفكار
يلعب الذهن دورًا أساسيًا في الحياة الروحية• ويصف الكتاب ذهن المؤمن أنه قد صار جديدًا «تتجددوا بروح ذهنكم» (أفسس 4: 23) أي صارت له بعد الإيمان مقدرة جديدة على استقبال الأمور الإلهية بالشركة مع الله؛ الأمر الذى كان مستحيلاً قبل الإيمان «يسلك سائر الأمم أيضًا ببُطل ذهنهم إذ هم مظلمو الفكر» (أفسس 4: 17، 18). وأيضًا «تنجس ذهنهم أيضًا وضميرهم» (تي 1: 15). والكتاب يوصى المؤمنين بالقول «تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم» (رومية12: 2) بتأثير كلمة الله ومبادئها السامية.
لكن يعانى كثير من الشباب من عدم القدرة على التحكم في أفكارهم، ويشكون من شرود الذهن وعدم التركيز خاصة عند قراءة الكتاب أو قضاء فرصة للصلاة أو في الاجتماعات• فما السبب؟ أعتقد للأسباب التالية:
أولاً: هناك دور علينا أن نقوم به من جهة أفكارنا. يقول بطرس «لذلك منطقوا أحقاء ذهنكم صاحين ....» (1بطرس 1: 13)، أي اضبطوا ذهنكم وتحكموا في أفكاركم ولا تدعوها تتجول بلا ضابط، وهذا تدريب علينا أن نقوم به دائمًا، ولا نتذرع بأننا غير قادرين.
ثانيًا: علينا أن نتتبع المصادر التي تغذى الذهن بالأفكار والتخيلات العاطلة والنجسة لكى نتحكم فيها. إن كل كتاب تقرأه عزيزي الشاب، وكل مجلة تتصفحيها عزيزتي الشابة، تترك في الذهن أفكارًا وانطباعات. وماذا عن الشباب الذين يجلسون قدام الشاشة الصغيرة ليغذوا عقولهم بكل ما هو «أرضى نفساني شيطاني»؟ أبعد ذلك نستغرب من مهاجمة الأفكار الشريرة؟ كلا يا أحبائي الشباب، فإن أذهاننا ينبغي أن تُحفظ نقية، وأفكارنا لابد أن نستأسرها كلها لطاعة المسيح. لذا علينا أن نصحو فلا نطالع كل مجلة، ولا نسترسل فى قراءة أي كتاب ولا نشاهد كل ما تقع عليه عيوننا، بل علينا أن نتحكم في ما يغذى ذهننا، ولنستخدم «الفلتر» filter حتى نمنع الشوائب عن الوصول لأفكارنا وتلويثها.
«الفلتر الروحي» هو: «كل ما هو حق، كل ما هو جليل، كل ما هو عادل، كل ما هو طاهر، كل ما هو مُسرّ، كل ما صيته حسن• إن كانت فضيلة وإن كان مدح ففي هذه افتكروا» (أي اشغلوا أفكاركم دائمًا) (فيلبى4: 8).
ضبط الرغبات والعواطف
في كل واحد طاقة هائلة من العواطف والرغبات تحتاج إلى الضبط والاتزان وإلا تحولت إلى شهوات جامحة تسيطر على الإنسان وتسلبه إرادته تمامًا ويصف بولس حالة بعض الناس بالقول «نسيّات محملات خطايا منساقات بشهوات مختلفة» (2تيموثاوس 3: 6). لاحظ كيف أن هذه الشخصيات تحت تأثير الشهوات المختلفة قد فقدت القدرة تمامًا على التحكم في النفس (منساقات).
وهذه حالة كثير من الشباب في هذه الأيام إذ أطلقوا العنان لرغباتهم الدفينة وشهواتهم المنحطة• يصفهم سليمان بحالة شاب رآه من كوة بيته، غلام عديم الفهم «أغوته بكثرة فنونها، بملث شفتيها طوحته.ذهب وراءها لوقته كثور يذهب إلى الذبح (مندفع لا يمكن إيقافه) أو كالغبي إلى قيد القصاص حتى يشق سهم كبده. كطير يُسرع إلى الفخ ولا يدرى أنه لنفسه» (أمثال 7: 6-23) يا له من وصف! أما نعمة الله، فعندما تخلـّص إنسانًا فهي أيضًا تعلمه أن ينكر الفجور والشهوات العالمية ويعيش بالتعقل (التحكم في النفس) والبر والتقوى في العالم الحاضر (تيطس2: 11، 12). والكتاب يصف المؤمنين أنهم «الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات» (غلاطية 5: 24)؛ والأهواء هي الرغبات والعواطف غير المقدسة التي علينا أن نراها وقد صُلبت مع المسيح وماتت، فنرفضها تمامًا لذا أحبائي الشباب احترسوا من التلاعب بعواطفكم أو عواطف غيركم تحت ستار «علاقات بريئة» أو «حب برئ»، فإن هذا ليس حبًا على الإطلاق بل «هوى» كما يسميه الكتاب.
و «الهوى» أي جموح العاطفة علينا أن نُميته بقوة كلمة الله وبعمل الروح القدس (كولوسى3: 5). وللتفريق بين العواطف الجسدية والمحبة المسيحية التي هي من ثمر الروح، فإني أذكر بعض سمات المحبة: المحبة لا تصنع شرًا للقريب (رومية 13: 10)، فهي لا تسبب أذى معنويًا أو ماديًا المحبة لا تطلب ما لنفسها (1كورنثوس 13: 5) أي خالية من كل أنانية (اقرأ بقية الصفات ع4-8). «بالمحبة اخدموا بعضكم بعضًا» (غلاطية 5: 13)، إنها تجد سرورها في الخدمة والتضحية. «المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء» (1تيموثاوس 1: 5)، القنوات الصحية التي تنساب خلالها. «وهذه هي المحبة أن نسلك بحسب وصاياه» (2يو6)، مرتبطة بالطاعة لكلمة الله. أحبائي .الرب يريد أن يصنع منا رجالاً نافعين لمجده وذوى تأثيرات مباركة في الآخرين . هل نلتصق به مسلـّمين له أفكارنا ورغباتنا ومشاعرنا ليمسك بزمامها جميعًا؟ وللحديث بقية بمشيئة الرب، ،