لم يكن الشيخ أقل شوقًا من رفيقه الشاب للتقابل لاستكمال ما كانا يتحدثان عنه، فابتدره بالقول
* ما أخبارك يا صديقي؟
- أشكر الله، على ما يرام. ولا زلت أبحث عن مشيئة الله لاختبرها في كل صغيرة وكبيرة في حياتي.
* وهل وعيت ما سبق وتكلمنا به؟
- بل قُلّ إنه منقوش في ذهني، ولا أدّخر جهدًا كي أعمل به.
* ابهجني بأخبار ما تعمله.
- أول كل شيء، أسعى جاهدًا لكى أقترب من الرب أكثر لأفهم أفكاره بصفة عامة؛ موقنًا بأن تلك هي البوابة الوحيدة لاختبار مشيئته في جزئيات الحياة المختلفة.
* عظيم! وماذا أيضًا؟
- والدرس الصعب الغالي الذى أُصلّى يوميًا أن يعلمني الرب إياه، هو درس الطاعة. فمع أنى أرى أن الطاعة مكلفة، لكنى بصراحة اكتشفت مع مرور الأيام أن العصيان أكثر كُلفة. فكم من مرة دفعت ثمنًا غاليًا لتصرفات لم تكن تتسم بطاعة الرب.
* إني أشكر الرب جدًا على عمل نعمته فيك لتعليمك مثل هذه الدروس، وأرجو أن تستمر بلا كلل في هذا الطريق؛ فهو بداية البركة. أكمل سردك يا عزيزي.
- كذلك أسعى، بنعمة الله، لأحكم باستمرار على ميولي وتصرفاتي: هل تشوبها الروح العالمية أم لا.
* حسنًا تفعل يا صديقي؛ فالروح العالمية، أي تشبّهنا بأهل العالم، هي أسوأ معطل لاختبارنا مشيئة الله في حياتنا.
- كما إني أسعى لأنهل من معونات الرب الموجودة في كتابه، لأتمتع بتجديد الذهن وأقترب أكثر من فهم مشيئته.
* إني سعيد بما أسمع يا صديقي، وأهنئك لأنك اتّبعـت منهـج أن تعمـل ما تتعلمـه، وهذه سمة المطوَّبين السعداء (يوحنا13: 17)
- هل من مزيد تريد أن تحدثني فيه في هذا الصدد؟
* أريد فقط أن ألفت نظرك إلى بعض معونات إضافية في هذا الصدد، كما وأحذرك من بعض المعوقات.
- فلنبدأ بالمعونات.
* من المعونات الرائعة التي أعطاها لنا الرب هم الأتقياء الذين سبقونا في طريق الإيمان، فاختبروا الكثير مما نمر به الآن. لكن عليك أن تحسن اختيار من تستمع إلى نصحه.
- وهل من ضرر في استشارة أيّ مَنْ كان؟
* كان أمام رحبعام الملك نوعين من المشيرين (1ملوك12)، أحدهما هم الرجال الحكماء الذين تعلّموا الوقوف في محضر سليمان الملك (وهو رمز الرب يسوع في حكمته - أي أنهم صورة لمؤمنين مستمرى الشركة مع الرب تعلموا الحكمة منه)، والنوع الآخر كان الأحداث الذين لم تكن لهم خبرة بفكر الله على الإطلاق، بل كانوا يسلكون بمنطق القوة الذى تمليه عليهم طبيعتهم البشرية التي لا يهمها أمور الله. فاختار - بكل أسف - مشورة الفريق الثاني، فدفع الثمن غاليًا، إذ انقسمت المملكة في أيامه، وعوضًا عن أن يكون ملكًا على الاثنى عشر سبط (كمشيئة الله) صار ملكًا على اثنين فقط. هل أدركت الخطر؟!
- بكل يقين. أخبرني إذًا عن المؤهلات التي يجب أن تكون في من أستمع لنصحه.
* لابد وأن يكون ممن تعلموا الوجود في محضر الله، وله شركة مستمرة مع الرب.
- وكيف يمكنني تمييز ذلك؟
* قال الرب «مِن ثمارهم تعرفونهم» (متى7: 16 )؛ إن رجل الشركة يُظهِر ثمارها، فإذا وجدت مؤمنًا يثمر (أي تظهر فيه) صفات المسيح فاعلم أن له شركة مع الرب.
- وماذا أيضًا من مؤهلات؟
* لابد أن يكون متكلاً على صلاح الله، وتجد حياته دائمًا تعلن هذا الاتكال. كما وينبغي أن يكون مدركًا لفشل الإنسان في أن يفعل أي شيء صالح، وبالتالي عدم جدوى الاتكال عليه. مثل هذا يمكن اعتبار مشورته كأحد المصابيح التي يستخدمها الرب لينير لنا الطريق.
- وماذا أيضًا من المعونات؟
* عليك أن تُحسن فهم ما تسمح به عناية الله من أحداث حولك.
- ماذا تعنى؟
* أعنى أنه عندما تتدخل الأحداث حولي، في صف أو ضد، أحد الاختيارات في اتخاذي للقرار، فعلىَّ أن أذهب إلى الرب طالبًا فهم ما الذى يريد أن يقوله من خلال هذه الظروف. فكثيرًا ما يستخدم الرب أعمال عنايته ليفهمنا مشيئته.
- وماذا عن المعوقات؟
* أخطرها هو أن أطلب من الرب أن يعرفني مشيئته ولى مشيئة شخصية مسبقة أصر عليها. فالله ليس كمديري في العمل، أذهب إليه بورقة عليها طلبات وكل ما عليه هو أن يوقع عليها بالموافقة. لكن اختبار مشيئة الله يتطلب أن أذهب بورقتي فارغة، منتظرًا أن يكتب الرب بنفسه الخطة، وأوقع أنا بتفويض للرب أن يتمم مشيئته في حياتي.
- وهل يعنى ذلك أن ألغى إرادتي تمامًا؟
* بل تعلّم أن تُعلن إرادتك ورغباتك للرب بتفصيلها، ثم تسلّم الأمر بجملته ليفعل ما يراه هو، في حكمته، صالحًا. إن الله لا يلغى إرادتنا، بل يدربها لكى تتوافق مع إرادته، وذلك لخيرنا.
- وماذا أيضًا من معوقات؟
* لا تنسَ الروح العالمية التي سبق وتكلمنا عنها.
- وماذا أيضًا؟
* من المعطلات أيضًا أن يكون سعى الدائم في حياتي هو لمجدي ولارتفاعي أنا لا مجد المسيح. اسمع يا صديقي: لن يستطيع أحد أن يحيا إرادة الله في حياته ما لم يكن شعاره «أحيا لا أنا بل المسيح»
- ما أصعب ذلك!
* ولكن ما أمجد حياة مثل هذه تكون مكللة بتمجيد المسيح، وبالاستمتاع بتتميم مشيئة الله.
ساد الصمت لدقائق قطعه الشيخ بالقول
* أعلم أن الموضوع ليس سهلاً، لكنى أذكرك أن الرب دائمًا يعطينا المعونة الكافية لتتميم ما فيه مسرته في حياتنا.
- وهل تريد إضافة شيء؟
* أود أن أقول لك إن ما تكلمنا عن هذا الموضوع الكبير، ما هو إلا مجرد أضواء تكشف لك الطريق؛ فمشيئة الرب هي رحلة الحياة كلها، سيدربك الرب فيها بكل الطرق. لذا ضع عينيك عليه وانتظر عمله فيك واتكل عليه بكل قلبك، وثق في أنه لن يهدأ حتى يتمم الأمر.