ذهبت مرة إلى إحدى الكليات للاطمئنان على نتيجة إحدى الطالبات، فشاهدت الطلاب وهم يزدحمون وعلى كشوف الناجحين يندفعون.
وقفت بعيداً حتى تخف حدة الزحام، وإذ بأعداد الطلبة في ازدياد، حشود تروح وحشود تأتى.. يتعانقون.. يتصافحون.. يصيحون صيحات الفرح ويعيشون نشوة النجاح، في لحظات يهون معها كل تعب وكد، وكل سهر وجد.
وفى هذا الجو المشحون بالعواطف والانفعالات، جاء طالب، يبدو أنه قد قطع سفراً طويلاً ليطمئن على نتيجته. كان شعره غير مرتب، ووجهه يتصبب عرقاً، وملابسه قد فقدت أناقتها. اندفع الطالب نحو الكشوف وهو يحارب ويزاحم، حتى صار أمام لوحة الأسماء... مرت اللحظات ثقيلة كالدهر، وهو يحملق بعينيه، ويشير بأصابع يديه. طاف حول كل الأسماء وهو يبحث عن اسمه، وكاد يصل إلى نهاية الأسماء ولم يعثر على اسمه.
أشفقت عليه، وبكل ما لدى من قوة زاحمت حتى وصلت إليه، وقلت له: ما اسمك؛ أجاب: فلان. فأخذت أبحث معه عن اسمه بكل دقة وعناية، وكلما تركنا كشفاً وذهبنا إلى آخر تقلصت فرصة صاحبنا في أن يكون من الناجحين. وهكذا أعدنا الكرّة مرة ومرات، ولم نعثر على اسمه. وعندئذ تغيرت هيئته، وارتعشت ركبتاه، ثم سقط مغشياً عليه.
وعندما أفاق، أخذ يضرب على وجهه بكلتا يديه. حاولت أن أثنيه عن هذه التصرفات، إلا أنه كان يزداد صراخاً وحزناً. اقترب منى واحد، يبدو أنه من بلدته، وهمس في أذني بالقول: إن ظروفه المعيشية قاسية للغاية، فوالده فلاح بسيط يعمل بأجر زهيد ويكد حتى يوفر له إيجار الغرفة التي يقطنها أثناء الدراسة، أما أمه فتقوم بتربية بعض الدواجن تبيع بيضها لتهيئ من ثمنها طعامه وملابسه لتضمن له حياة كريمة.
التفت إلى الشاب، وقلت له: تشجع، فلازالت الفرصة أمامك، وقد وهبك الله الصحة والعافية، ومنحك أب طيب وأم حنون، ولا تنسَ أن الله كريم ويعوض السنين.
صديقي.. صديقتي؛ أثق أنك رثيت لهذا الطالب، بل وتعاطفت معه. لكنى أستأذنك بالخروج قليلاً من جدران الكلية، والتفكر بجدٍ في الأمور الأبدية.
ماذا ستفعل يوم أن تُعلن النتيجة الأبدية، إذ تقف أمام العرش العظيم الأبيض؟ ماذا أنت فاعل عندما يُفتح سفر الحياة؟
يقول يوحنا الرائي: «وكل من لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة طُرِح فى بحيرة النار» (رؤيا20: 15 )؛ نعم، هذا هو الموت الثاني، حيث لا ملحقٍ ولا دور ثانِ. لذلك نناشدك بدموع المسيح الحبيب أن تتجاوب مع محبته، وتقبله مخلّصاً شخصياً لك من الدينونة، بتوبة صادقة حقيقية، عندئذ ستجد اسمك مسجلاً في أسمى الكشوف وأمجدها، بل وستفرح فرحاً أبدياً لا يعرفه العالم (لوقا10: 20).
صلاة: آه يا سيدى
اعترف بأنى حائد عنك، واسمى في التراب مكتوب من كورة بعيدة راجع إليك وأنا محتاج ومغلوب فاغسلنى وطهرنى؛ حجتي فدائك أيها المصلوب.