الصندوق الأسود و العرش الأبيض


في الوقت الذي باتت فيه شعوب العالم باكية حزينة، كانت أسماك الأطلنطي في بهجة ووليمة.  فيا للمفارقة..  ويا لها من فاجعة تلك الكارثة التي تحطمت فيها الطائرة المصرية في أكتوبر99 الماضي والتي راح ضحيتها 217 هم كل طاقمها وركابها، ولم يُعثر على شيء فيها إلا ذلك الصندوق العجيب ذو اللون البرتقالي (مع أنه يسمى بالصندوق الأسود) والذي يحتوي على جهاز التسجيل.

إنه ليوم أسود عندما يجري البحث عن هذا الصندوق، أو قُلّ الصندوقين، لمعرفة ما دار في اللحظات الأخيرة قبل الحادث، للتوصل للأسباب الحقيقية للكارثة سواء كانت طبيعية أو إرهابية.

القارئ العزيز:

لقد جعل الله لكل منا صندوقًا أيضًا تُسجِّل عليه لا الكلمات فقط، بل حتى تصورات القلب وأفكاره..  وهناك أمام العرش العظيم الأبيض سيقف الجميع كبارًا وصغارًا (ركاب الدرجة الأولى الممتازة في قطار الحياة، ورُكّاب الدرجات الأخرى).  الكل سيقف أمام المسيح الديان، وعندئذ ستُفتح الأسفار أو الصناديق السوداء وبقدرة إلهية سيتذكر كل إنسان ماضيه الأسود وسيُدان الناس بحسب:

# أعمالهم المكتوبة في الأسفار (رؤيا 20: 12-13). 

# وبحسب الكلمات: «إن كل كلمة بطّالة (لا تبني السامع) يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حسابًا يوم الدين» (متى 12: 36). 

# بل والسرائر: «في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس» (رومية 2: 16).

صديقي..  ونحن في مستهل عام جديد، بل وألفية ثالثة جديدة يحتفل بها العالم..  ألا تريد أن تبدأ ببداية جميلة حقًا..  وتفتح صندوقك الأسود أمام المسيح الأبيض (صورة لقداسته ونقاوته) بل والأحمر (صورة لمحبته حتى سفك الدماء) حينئذ ستشدو مع المفديين «حبيبي أبيض وأحمر» (نشيد5: 10).
أما إن ظَل صندوقًا مغلقًا..  فسيُفتح حتمًا، في يوم ما أخطره وما أرهبه، أمام المسيح الديّان وهو يجلس على عرشه العظيم الأبيض..  ليكشف لك كل ماضيك جملة وتفصيلاً، فيالها من فضائح وما أرهبها لحظات.

لقد أتى الفريسيون يومًا بامرأة أُمسكت وهي تزني، وأخذوها للمسيح وأقاموها في الوسط، وقالوا له: هذه المرأة أُمسكت وهي تزني في ذات الفعل، وموسى أوصانا أن مثل هذه تُرجَم؛  فماذا تقول أنت؟ قالوا هذا ليجربوه..  فماذا فعل ذلك الحليم.  العليم؟  يقول الكتاب (يوحنا 8: 2-11) إنه انحنى إلى أسفل، وكان يكتب على الأرض بأصبعه ولما استمروا يسألونه انتصب وقال لهم: من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر، ثم انحنى أيضًا إلى أسفل وكان يكتب على الأرض.  وعلّق أحدهم على هذين الإنحنائين بالقول:
في المرة الأولى: كتب أسماءهم فهو الذي قال: «الحائدون عني في التراب يُكتَبون» (إرميا 17: 13)

وفي المرة الثانية: كان يذكِّرهم بخطاياهم والتي وإن نجحوا في إخفائها عن العيون، إلا إنه يرى في الظلمة كما يرى في النور وكأنه يقول «أوبِّخك وأصُفّ خطاياك أمام عينيك» (مزمور 50: 12)..  وأما هم فكانت ضمائرهم تبكّتهم وخرجوا واحدًا واحدًا، مبتدئين من الشيوخ (الأكثر مقامًا) إلى الآخرين (الأقل مقامًا).

صديقي: إنها لمحة، بل وصورة جزئية، لما سيحدث على أعتاب الأبدية، وأمام العرش العظيم الأبيض، يوم أن تقف أمامه وتُفتح صناديقك السوداء، يومها سيستد كل فم.

أما إذ فتحتها الآن واعترفت بخطاياك، فحتمًا سيقبَلك ويقبِّلك.  بل وسيُلقي بصناديقك السوداء في محيط بلا قرار، هيهات أن تخرجه أعتى السفن وأحدث الروبوتات، بل وستسمع من المسيح الفادي أجمل الكلمات: «مغفورة لك خطاياك».