هذه مجموعة من الأسئلة الفاحصة التي وجهها الله لشخصيات متعددة عبر الزمان، ودوّنت في الكتاب المقدس. دعونا نفترض أنها موجهة لكل واحد منا، فماذا ستكون إجابتنا؟
اسأل ماذا أعطيك؟
يا له من سؤال رائع يوجِّهه الله إلى شاب صغير في بداية حياته العملية. هل تعرف من هو؟ إنه الملك سليمان. فبعد ما تولى المُلك، بعد وفاة والده الملك داود، تكلم معه الله في حلم ليلاً وسأله هذا السؤال. أرجو أن تقرأ التفاصيل في 1ملوك 3: 5-15.
هل انتبهت إلى إجابة هذا الملك الشاب على الرب؟ لقد قال «أنا فتى صغير لا أعلم الخروج والدخول... فاعطِ عبدك قلبًا فهيمًا لأحكم على شعبك وأميّز بين الخير والشر». وبماذا أجابه الرب؟ قال له: «من أجل أنك قد سألت هذا الأمر... هوذا قد فعلت حسب كلامك. هوذا أعطيتك قلبًا حكيمًا ومميِّزًا. حتى أنه لم يكن مثلك قبلك، ولا يقوم بعدك نظيرك. وقد أعطيتك أيضًا ما لم تسأله... حتى أنه لا يكون رجل مثلك في الملوك كل أيامك».
دعونا نتأمل قليلاً في هذه الحادثة:
أولاً: الله يعلن عن ذاته لسليمان
1- الله الذي يهتم بالإنسان: يظن البعض أن الله هو فقط الديان العادل المنتقم الجبار. وينسى أنه الله المحب المهتم بالإنسان، والذي دائمًا يفتش عليه. أَ لم يفتّش على الإنسان عندما أخطأ في الجنة ليحل مشكلته؟ أَ لم يأتِ متجسدًا إلى أرضنا، وجال فيها يصنع خيرًا ويريح المتعبين؟ أَ لم يختم حياته على الأرض بموت الصليب ليحل مشكلة الإنسان، ويفتح له باب السعادة والهناء حاضرًا ومستقبلاً؟
2- الله الذي يُقدِّر إحتياجات الإنسان ويسددها: إنه الخالق المحب والراعي والأمين الذي يعرف إحتياجاتنا، ليس فقط الجسدية بل النفسية والروحية أيضًا، ويسهر على تسديدها وبحق كتب الرسول بولس في فيلبي 4: 19 «فيملأ إلهي كل احتياجكم بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع».
ثانيًا: سليمان يجيب على الله
1- يذكر أمانة الرب وصدق مواعيده: إنه يتذكر إحسانات الرب وأمانته مع داود أبيه، فيشترك مع كاتب مزمور 103: 1، 2 قائلاً «باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس. باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته». فهل تذكر أنت أيضًا أمانة الرب معك في الأيام الماضية وإحساناته التي غمرك بها.
2- يعترف بصغره واحتياجه للمساعدة: إنه يقول عن نفسه «أنا فتى صغير». كم هو جميل أن نعترف بحالتنا الحقيقية ونتواضع أمام الله؛ معلنين أننا بدونه لا نقدر أن نفعل شيئًا. بحق ما أتعس الإنسان الذي يظن أنه يستطيع أن يتكل على نفسه وعلى قدراته في تسديد احتياجاته. كتب أرميا «ملعون الرجل الذي يتكل على الإنسان ويجعل البشر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه... مبارك الرجل الذي يتكل على الرب وكان الرب متكلة» (17: 5-7).
3- يحدد احتياجه الأساسي والهام: «أعطِ عبدك قلبًا فهيمًا». لقد عرف أن قلب الإنسان هو مفتاح حياته كلها، وهذا ما نقرأه في أمثال 4: 23 «فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة». وانتبه، إن احتياج الروح والنفس أهم بكثير من احتياجات الجسد التي يجري وراءها الناس.
4-يضع هدفًا واضحًا وصحيحًا في حياته: لقد طلب قلبًا فهيمًا لأن أمامه هدفًا واضحًا حدّده في شيئين:
أ- لأحكم على شعبك: أي ليتصرف التصرف الصحيح في حياته ومسئولياته المختلفة. إن أمامنا تحديات كثيرة في الحياة، وبدون قُربنا من الرب واتكالنا عليه سنتخبط كثيرًا. اسمع ما جاء في أمثال 3: 5، 6 «توكَّل على الرب بكل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد. في كل طرقك اعرفه وهو يقوِّم سُبلك».
ب- أميز بين الخير والشر: إن إبليس في الوقت الحاضر يحاول جاهدًا خلط الأمور ليستطيع خداع الإنسان وتدمير حياته. ولن نستطيع التمييز الصحيح ما لم تكن كلمة الله الصادقة داخلنا باستمرار «لأن كلمة الله حية وفعَّالة... مميِّزة أفكار القلب ونيّاته» (عبرانيين 4: 12).
ثالثًا: إجابه الله على سليمان:
1- حَسُن الكلام في عين الرب: لقد سُرّ الله بإجابة سليمان، وهو يُسرّ دائمًا بالمتكلين عليه الطالبين إرشاده. ما أروع ما نقرأه في مزمور 91: 14 «لأنه تعلَّق بي أُنجّيه أرفِّعه لأنه عرف اسمي».
2- أجابه لطلبته بفيض وغنى: قال الرب «هوذا أعطيك قلبًا حكيمًا ومميِّزًا حتى أنه لم يكن مثلك قبلك ولا يقوم بعدك نظيرك». هذا هو إلهنا، الذي عندما نطلب شيئًا حسب مشيئته، يعطينا أكثر جدًا مما نطلب أو نفتكر
3- أعطاه الرب آيضًا ما لم يسأله: قال الرب «وقد أعطيتك ما لم تسأله: غنى وكرامة حتى أنه لا يكون رجل مثلك في الملوك كل أيامك». إن الله لا يمنع خيرًا عن السالكين بالكمال، بل يُسرّ جدًا أن يعطينا كل شيء بغنى للتمتع. هذا هو سليمان الشاب طلب حسنًا، ونال كثيرًا، وكُتب عنه «وأعطى الله سليمان حكمة وفهمًا كثيرًا جدًا ورَحبَة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر. وفاقَت حكمة سليمان حكمة جميع بني المشرق وكل حكمة مصر» (1ملوك 4: 29، 30).
والآن ماذا عنك أنت؟ ونحن نبدأ عامًا جديدًا نختم به الألفية الثانية. الله الآن يسألك السؤال «ماذا أعطيك؟». فما هو جوابك الشخصي؟ اسأل نفسك: هل تعرف أهم احتياج في حياتك؟ هل أمّنت على حياتك الحاضرة والمستقبلة؟ ما هي طموحاتك وأحلامك للمستقبل؟
ليتك الآن تسمع ما كتبه إشعياء قديمًا «لماذا تَزِنُون فضة لغير خبز وتعبكم لغير شبع؟ استمعوا لي استماعًا، وكُلُوا الطيِّب ولتتلذذ بالدسم أنفسكم. أميلوا أذنكم وهلمُّوا إليَّ. أسمعوا فتحيا أنفسكم وأقطع لكم عهدًا أبديًا» (إشعياء 55: 2، 3).