نستكمل في هذا العدد الحديث الذي بدأناه عن:

الأذن

مدى الاستماع
يُقاس الصوت بعدد الذبذبات في الثانية.  ووحدة القياس (ذبذبة في الثانية) تسمى هرتز، نسبة للعالم الفيزيائي الألماني المسمى بهذا الاسم.  وكما أن هناك أشعات لا تلتقطها عيوننا هناك أيضا موجات صوتية لا تلتقطها آذاننا.  والإنسان عادة يسمع الأصوات التي بين 20 هرتز و20 ألف هرتز (20كيلو هرتز).  ولو أن هذه القدرة تقل مع تقدم العمر.  وبعض الحيوانات لها قدرة على السمع أشد مما للإنسان، فالكلاب مثلا تسمع الأصوات ذات الترددات الأعلى: لغاية 50 ألف ذبذبة في الثانية.

وفى المجال الروحي يبدو أنه بعد سقوط الإنسان ما عاد الإنسان بقادر على التقاط صوت الله ولا على تميزه.  وهو في ذلك صار أقل من الحيوانات.  فمع أن الحيات والأفاعي مثلاً لا قدرة لها على السمع لكنها عادة تطرب لصوت الحواة (مزمور 58 :3-5).  أما الإنسان البعيد عن الله فما عادت تطربه وعود الرب ولا يرهبه وعيده.  ويستمر الأمر كذلك إلى أن تولد النفس من الله.  وعندئذ يمكنها أن تسمع صوت الرب من جديد.

أهمية الاستماع

إن المؤمن مسئول عما يسمع وعما لا يسمع.  ولذلك جاءت التحريضات الكثيرة له على ضرورة الاستماع لله.  يبدأ الناموس بالقول «اسمع يا إسرائيل» (تثنية 5: 1؛6: 3)، وكثير من النبوات تبدأ بالقول «اسمعوا» (إرميا 2: 4؛ هوشع 4: 1...  ) بل إن الرب نفسه كان يبدأ بعض عظاته بهذه العبارة (مرقس 4: 3)، كما كان يختم بعض العظات بعبارة «من له أذنان للسمع فليسمع» (متى 13: 43).  وما أخطر ألا يسمع الإنسان لصوت ربه وخالقه.  «لذلك كما يقول الروح القدس اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم» (عبرانيين 3: 7، 8؛ مزمور 95: 7، 8).

وكما أن المؤمن مسئول عن الاستماع لصوت الله فإنه أيضًا مسئول ألا يستمع لنداء الأشرار والخطاة (إشعياء33: 15).  ويقال عن الله إن له أذنًا.  لكن طبعا بمفهوم روحي لا حسي.  والمقصود بهذا أنه يسمع دعاء البشر، ويسمع صلوات خائفيه.  وذلك في مقابلة مع الأصنام التي لها آذان ولا تسمع (مزمور115: 6 قارن 1ملوك18: 26 -29).  لكن الله لا يسمع فقط صوت المؤمنين عندما يصلون إليه، بل إنه أيضًا يسمع كل كلمة تخرج من أفواهنا، بل وحتى قبل أن ننطق بها (مزمور 139: 4).  وهو يستمع أيضا إلى كلمات الأشرار وصراخهم وتجديفهم عليه، وفى يوم الدينونة سيحاسبهم على كل كلمة بطالة (أي ليس لها فائدة) قيلت (متى12 : 36 ).

والضوضاء العالية هي واحدة من المشاكل في الدول المتخلفة.  لكن المحزن حقا أنه حتى فى البلدان المتقدمة فإنهم تفننوا في الموسيقى الصاخبة جدًا، والتي تفتن الشباب، مع أنها تسبب الصمم على المدى الطويل.  وهذه واحدة من الأدلة على أن الإنسان الطبيعي يدمر نفسه ويهلكها، تمامًا كما قال الكتاب المقدس عنه (أفسس4: 19، قارن مرقس5: 5).  وتمثَّل الخطية في الكتاب بصراخ عالٍ وصياح يصل إلى أذن الله في السماء، والله مع أنه يمهل لكنه لا يهمل (تكوين 4: 10؛ 18: 20؛ يعقوب 5: 4...).

                                                                         ***
وفى ناموس موسى إشارتين لهما تعليم روحي بالنسبة للأذن.  فالعبد الذى يريد أن يخدم سيده إلى نهاية العمر، لأنه أحب سيده وامرأته وأولاده؛ كانت تُثقب أذنه.  وهذا العبد المحب العجيب هو رمز للعبد الكامل، الذى إذ كان في صورة الله، فإنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد (فيلبي2: 5-8)، ولأنه أحب الله وأحب الكنيسة وأحب المؤمنين أفرادًا، فقد قبل أن يخدمنا إلى الأبد.

والإشارة الثانية؛ أن أذن الكاهن كانت تُقدس بالدم، إذ كانت تُمسح بدم الذبيحة يوم تقديسه، وهو نفس ما كان يحدث أيضًا مع الإنسان الأبرص يوم طهره، إذ كانت الأذن مع إبهام اليد اليمنى وإيهام الرجل اليمنى ترش بالدم ثم يوضع الزيت فوق الدم.  وكل هذا له معناه الهام: فدم الذبيحة يشير إلى دم المسيح الذى به تقدسنا، فما عدنا ملكًا لأنفسنا، والزيت كان يشير إلى الروح القدس الذى سكن فينا، وبالتالي فإن كل أعضاء المؤمن يجب أن تكون ملكًا لله.

الأقراط التي في الآذان

أول ما نقرأ عنها في الكتاب المقدس جاء بالارتباط مع يعقوب، وعندما طلب منه الرب التوجه إلى بيت إيل، أي بيت الله، فإنه طلب من أهل بيته وكل من كان له أن يعطوه الآلهة الغريبة التي في أيديهم وأقراط الذهب التي في آذانهم فدفنها يعقوب تحت الشجرة.  ومن هذا نفهم موقف المؤمن الذى يريد أن تكون له علاقة وشركة مع الله، ألا يكون له علاقة بهذه المظاهر العالمية والشيطانية.  وإن كنا نحرِّض الشابات أن يبتعدن عن الزينة الخارجية (1بطرس3: 3 )، فماذا نقول عن بعض الشباب الذى تتدلى من أذنيه مثل هذه الأقراط؟!
 بقلم: يوسف رياض