مَن أُرسِل؟ و من يذهبَ من أجلنا؟

هذه مجموعة من الأسئلة الفاحصة التي وجهها الله لشخصيات متعددة عبر الزمان، ودوِّنت فى الكتاب المقدس.  دعونا نفترض أنها موجهة لكل واحد منا، فماذا ستكون إجابتنا؟

مَن أُرسِل؟ و من يذهبَ من أجلنا؟

كان إشعياء النبي داخل الهيكل فرأى مشهداً عظيماً.  رأى السيد الرب جالساً على كرسي عالٍ والملائكة النورانيين واقفين حوله يسبحون قائلين «قدوس، قدوس، قدوس رب الجنود.  مجده ملء كل الأرض».  فارتعب إشعياء وصرخ على الفور «ويل لي!  إني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين».  وكانت النتيجة أنه طار إليه ملاك ومسّ فمه بجمرة من على المذبح، وقال له «انتُزع إثمك، وكُفِّر عن خطيتك».  وبعدها مباشرة سمع صوت السيد الرب قائلاً «من أُرسل؟  ومن يذهب من أجلنا؟».   فصاح إشعياء على الفور قائلاً «هأنذا أرسلني».  هذا ما نجده في إشعياء6: 1-9.

هنا نجد سؤالاً من شقين: 

أولاً: مَن أُرسل؟
هنا يريد الرب أن يوضح صفات الشخص الذي يمكن أن يستخدمه ويُرسله لخدمته:

1- يعرف حقيقة نفسه: لقد ظن إشعياء في السابق أنه أفضل من بقية الشعب الذي يعيش وسطه.  ولكن عندما تقابل مع الرب مواجهة، اكتشف حقيقة نفسه، وأنه ليس أفضل من الآخرين، بل هو غير مؤهل للوقوف في حضرة الله بالاعتماد على أعماله وتقواه الشخصية، وكأنه يضم صوته مع الرسول بولس: «ليس ساكن فيَّ، أي في جسدي، شيء صالح» (رومية7: 18).

2- انتُزع إثمه وكُفِّر عن خطيته: إن أعمالنا الصالحة، مهما سمت، لا تستطيع في ذاتها أن ترفع آثامنا، أو أن تغطي خطيتنا أمام الله القدوس؛ لذلك نحتاج لتدخل الله المباشر.  وهذا ما نجده في المسيح يسوع إذ صار كفّارة لأجلنا على الصليب.  وعلى أساس ذبيحته فقط نحصل على غفران خطايانا والقبول أمام الله لأنه «فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا» (أفسس1: 7).

3- له شركة شخصية مع الرب: كان إشعياء في الهيكل، وتمتع برؤية شخصية للرب بخلاف الآخرين.  لا تكفي المعرفة الذهنية، لكن هناك ضرورة كبري للإختبار العملي والقرب الشخصي من الرب «ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف... نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد» (2كورنثوس3: 18).

4 - يسمع صوت الرب ويميزه: لقد ميّز إشعياء صوت الرب ودعوته.  ربما كان هناك الكثيرون في الهيكل، لكن إشعياء فقط هو الذي سمع صوت الرب ودعوته.  هذا ما قاله الرب يسوع في يوحنا10: 27 «خرافي تسمع صوتي».

ثانياً: من يذهب من أجلنا؟

هنا يوضح الرب الغرض من الإرسالية وهدفها الرئيسي:

1- خدمة السيد الرب:
إن هدف إرسالية الله لنا هو خدمته هو شخصياً.  كثيرون من الناس يخدمون، لكن في الحقيقة هم يخدمون أنفسهم ومصالحهم الشخصية.  لكن ليتنا نقول مع الرسول بولس «هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح» (1كورنثوس4: 10).

2- حمل رسالة السيد للآخرين: لقد حمل إشعياء رسالة محددة من الرب إلى شعبه، وكان أميناً في توصيلها كما هي.  وهكذا لنحترص ألا نضيف أو نحذف من رسالة الرب ما يحسن في أعيننا، ونكون بحق كما كتب الرسول بولس في 2كورنثوس5: 20 «نسعى  كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا».

3- الذهاب حيث يريدنا السيد:
قال الرب لإشعياء «اذهب وقل لهذا الشعب»؛ كانت إرسالية محددة.  كثيراً ما نستحسن مكان الخدمة التي نريدها، ولا ننتظر توجيه الرب لنا، لذلك لا عجب من أن نفقد تأييد قوة الرب لنا ولا نتمتع بحضوره معنا لذلك قال الرب يسوع في يوحنا12: 26 «إن كان أحد يخدمني فليتبعني، وحيث أكون أنا هناك أيضاً يكون خادمي».
هذا هو سؤال الرب الذي سمعه إشعياء.  فماذا كانت إجابته؟

هأنذا أرسلني


1- الطاعة الفورية: إن كان الرب هو السيد العظيم فإنه يستحق الطاعة الفورية وبدون تأجيل.  وكم من بركات خسرناها ليس بسبب رفضنا لصوت الله، بل بسبب تأجيل تنفيذ ما طلبه منا.  لذا يقول الكتاب «اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسو قلوبكم» (عبرانيين3: 7 ،8).

2- التسليم الكامل للسيد: إن الطاعة الجزئية والمشروطة ليست طاعة على الإطلاق.  فإن كان الرب هو السيد فعلينا بطاعته طاعة كاملة كلية.  لقد قال الرسول بولس بحق في غلاطية2: 20 «أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ».

هذا ما حدث مع إشعياء الذي أصبح نبياً عظيماً لله، واستخدمه الرب بقوة في وقته.  فماذا عنك أنت؟  إن الله ما زال يوجه نفس السؤال اليوم، ويبحث عن شخص يستطيع أن يرسله.  فهل تكون أنت هذا الشخص؟ وهل تقول من كل قلبك وكيانك: «هأنذا أرسلني»؟

هأنذا سيدي          فارسلني حيثما تريد

فكل ما في يدي     لسيدي ربي المجيد

لا تكن إرادتي      بل ما أنت لي تريد

        وليكن مجد اسمك رسالتي