إن الكتاب المقدس الذي بين أيدينا كتاب عظيم، ومن أوجه عظمته، ومن الأدلة الكثيرة على أنه موحى به من الله، أنه يتكلم عن موضوع واحد من التكوين إلى الرؤيا: وهو شخص المسيح في تجسده وحياته وموته لفداء الإنسان. لذا يكتب يوحنا الرائي «فإن شهادة يسوع هي روح النبوة» (رؤيا10: 19). فالعهد القديم مليء بالنبوات التي تشير إليه في رموز وظلال كثيرة كمن سيأتي، والعهد الجديد يتكلم عنه كمن جاء وتمم كل مقاصد ومشورات الله من نحو الإنسان، وتحققت فيه النبوات وتحولت، الرموز والظلال إلى حقيقة. لذا صديقي العزيز تعال معي نتأمل في إحدى هذه الرموز الجميلة، التي وإن كانت صامتة جامدة، لكنها في ذات الوقت تتكلم وتتحدث لنا عن كمالات وأمجاد وموت وقيامة ربنا يسوع المسيح؛ إنها
خيمة الإجتماع
الزمان: قبل الميلاد بحوالي 1490 سنة وفي السنة الثانية لخروج بني إسرائيل من أرض مصر. بعد أن خلّص الرب شعبه من عبودية فرعون، نقرأ في خروج24أن الرب أخذ موسى على جبل سيناء، وهناك ولمدة أربعين نهاراً وأربعين ليلة سمع أمر الرب بصنع الخيمة، ورأى نموذجاً كاملاً لها بكل تفصيلاتها وألوانها ومقاساتها، وأوصاه الرب أن يصنعها حسب المثال الذي رآه. وأوصاه أن يأخذ من بني إسرائيل تقدمة للرب من ذهب وفضة ونحاس وكل ما يلزم لصنع الخيمة (خروج25).
المكان: في الصحراء وبجوار جبل سيناء، حل الشعب بخيامهم التي تزيد عن 300 ألف خيمة، في شكل مربع ضخم ومتناسق، بأسباطهم الاثنى عشر، كل ثلاثة أسباط في جهة شرقاً: وغرباً وشمالاً وجنوباً (عدد2). وإن صعدنا على أحد التلال القريبة لنتبين المشهد بصورة أوضح، نرى منظراً يشد الانتباه، هناك في وسط هذا المخيم نرى خيمة مختلفة في الشكل والتصميم عن كل الخيام، والآلاف من الشعب مشدودين إليها بأنظارهم واهتماماتهم، مع أن منظرها من الخارج يكتسي بلون داكن. وإن اقتربنا من أحدهم وسألناه: لماذا هذا الاهتمام؟ فيجيب: إنها خيمة الاجتماع التي أمر الرب موسى بصنعها.
وهنا يأتي سؤال آخر: لماذا؟ وما الغرض من صُنعها؟
هنا نرى لمحة من عظمة مقاصد الله تجاه الإنسان، إذ لم يكتفِ، في غنى نعمته، أن يخلص الشعب من العبودية، ويريحهم من سياط فرعون، ويعطيهم الحرية بإخراجهم من أرض مصر، ويفديهم من الهلاك باحتمائهم في الدم المرشوش على القائمتين والعتبة العليا (خروج12). لم يقصد هذا فقط، مع أنها أمور عظيمة؛ لكن الله قصد، ويا لعظم نعمته، أن يتنازل ويسكن في وسطهم (خروج8 : 25)، ليكونوا قريبين منه، وليعرفوه، ليس في قوته فقط عندما عبر بهم البحر الأحمر، بل في محبته ورعايته لهم وحفظهم طوال رحلة البرية وهو سائر في وسطهم. ولأن الرب قصد أن هذا الشعب يعبده (خروج8: 1)، فرتب لهم الطريقة التي يعبدونه بها. لأجل هذا أُقيمت الخيمة.
خيمة عظيمة وعجيبة: لو تأملنا في حجم المواد المستخدمة في صُنعها واهتمام الوحي بها، نفهم مدى أهميتها. فمثلاً أُستخدم في صنعها حوالي1300 كجم من الذهب (تقدر بحوالي 45 مليون جنيه)، وحوالي 4500 كجم من الفضة (تُقدر بحوالي 6.750 مليون جنيه)، وحوالي 3600 كجم من النحاس (تقدر بحوالي 90 ألف جنيه) هذا بخلاف الأخشاب والأغطية والملابس... (خروج 38: 24-29).
ونلاحظ أن الوحي عندما كلّمنا عن الخليقة والكون غير المحدود يصفه لنا في أقل من أصحاحين (تكوين1 ،2)، أما عن الخيمة فنجد:
12 أصحاحاً في سفر الخروج: عن مكوناتها وصنعها وترتيبها.
27 أصحاحاً في سفر اللاويين: عن كيفية تقديم الذبائح وممارسة العبادة وعمل الكهنة بالخيمة.
7أصحاحات في سفر العدد: عن ترتيب الأسباط حول الخيمة، وكيفية حلها وحملها أثناء رحلات الشعب في البرية.
13 أصحاحاً برسالة العبرانيين: حيث ينقلنا الوحي من الخيمة وأجزائها والكهنوت الأرضي كرموز، إلى المسيح المرموز إليه والأفضل في كل شيء.
صديقي: هل رأيت كم هي بحق خيمة عجيبة وعظيمة؟ لكن ما السبب؟ إنها رمز لشخص قِيل عنه في إحدى النبوات «ويُدعى اسمه عجيباً» (إشعياء9: 6)، وقال عنه الملاك جبرائيل للعذراء المطوبة مريم: «هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى» (لوقا1: 32). إنه الرب يسوع المسيح الذي «حل (نصب خيمته) بيننا» (يوحنا1: 14)، ووجد كإنسان في وسطنا نحن الخطاة النجسين، وكل من تطلع إليه بنظرة بشرية لم ير فيه جمالاً يختلف عن باقي الناس وهو الأبرع جمالاً من بني البشر (مزمور45: 2).
وبعد أن عرفنا لماذا أُقيمت الخيمة، نتساءل لماذا تجسد المسيح وجاء إلى الأرض؟
بعد أن سقط آدم ودخلت الخطية للعالم أبعدتنا عن محضر الله. فكيف ندنو منه وهو الساكن في نور؟ وكيف كنا نعبده ونحن مستعبدين لإله هذا الدهر؟ لذا أتى الرب يسوع إلينا متجسداً، ليدنوا منه العشارين والخطاة، ولنرى فيه ما لم نكن نعرفه عن الله من نعمة ورحمة ومحبة، وليكون هو الطريق الوحيد للاقتراب من الله، وأيضاً ليعلن للإنسان عن الكيفية التي يُعبد بها الله. لقد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك. جاء ليبذل نفسه فدية عن كثيرين. جاء ليُعطي الحياة الأبدية لكل من يؤمن به... ولإتمام كل هذا كان لا بد من موت الصليب، وسفك دمه الكريم «لأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة».
صديقي: قبل أن نقترب أكثر لنتعرف على أجزاء الخيمة وجمالها، وما تحمله لنا من إعلانات عن ربنا يسوع المسيح، دعني أسألك: هل تعرفت به؟ هل قبلته كالمخلص والفادي لك؟ هل احتميت في دمه من الهلاك القادم؟
يا من تريد أن ترى وتعرف الله، وتقدِّم له العبادة الحقيقية، اقبل إلى المسيح، واقبله بالإيمان، وصلِّ معي أن يكشف الرب لنا عن أمجاده ونحن نتأمل في أجزاء خيمة الاجتماع. وإلى لقاء قريب،،،