رسالة ساخنة جداً


 في الشهر الماضي حُكم عليه بالإعدام، وحُجِز في السجن حتى يتم تحديد ساعة تنفيذ الحكم.  شعر بالظلم الشديد، فهو بريء تماماً من التهمة التي لصقت به، براءة الوحش الرديء من افتراس يوسف بن يعقوب (تكوين 37: 33).  لكن مَنْ يُصدِّق، فأغلب المحكوم عليهم بالإعدام يصرخون: إننا مظلومون.

دموعه وصرخاته لفتت أنظار ضباط السجن، فأُجريت تحريات جديدة ودقيقة، وكانت المفاجأة أن هناك متهماً آخر، وبمواجهته بالمجني عليها، تأكد أنه الجاني الحقيقي، وما الأمر إلا تشابه في الأسماء، فحكمت المحكمة ببراءة المتهم الأول وإدانة الثاني. خرج من السجن يغرد كعصفور أفلت من فخ الصيادين،
ولكن ترك رسالة تحذيرية قال فيها:

إلى كل الشباب نظيري.. إياكم والخطية، واحذروا الجريمة، اهربوا من الشهوة.  لقد عشت أسود الليالي وأتعس الأيام، فما أمرّ السجن، وما أشقى المسجونين الذين ينتظرون حكم الإعدام.

القرّاء الأعزاء..  لقد أتت إلينا رسالة أخرى، ليست من خلف القضبان الحديدية، بل من خارج الكرة الأرضية.  وسواء قرأتها أو مزّقتها، فهي لك وقد أبلغتها.. فإن هلكت فالذنب ذنبك وأنت الجاني على نفسك.. وهاكم الرسالة:

مقدمة الرسالة

يا أهالي الأرض الكرام.. من أعماق الجحيم أكتب لكم، من أعماق الظلمة واليأس.. المكان هنا موحِش، مُرعب، مُخيف، ليس له نظير في أرضكم..  والليل هنا طويل طويل وبلا صبح.. الفراش حامية.. الأفكار شاردة.. لست أدري كيف جئت، لكنني جئت.

كنت


كنت في أرضكم أسرح وأمرح، غير مُبالٍ بالأبدية .. وكلما رأيت شبح الموت، أغمضت عينىَّ حتى لا أراه.. سرت في طريقي الخاصة.. فرحت بشبابي.. بأموالي.. بسياراتي.. حتى أغمضت عينى، ثم فتحتها وقد غاب العالم الذي كنت أعرفه.. ووقعت فريسة بين مخالب الأبدية المرعبة. ويحي أنا الإنسان الغبي!

ما أشعر به

كيف أصف لكم ما أراه وأشعر به، إني أغوص في براكين وحُمم من النار..  إنها بحيرة بلا قرار.  آه، ألا من حد لهذا العذاب، أين الموت؟  أين أهل الخير؟  أين الرحمة؟  إن أحمالي ثقيلة وخطاياي كثيرة، أرزح تحت نيرها، كيف كنت أحملها في أرضكم .. لست أدري.  في الماضي كنت لا أشعر بها، وها هي الآن أمامي دائماً.. كنت لا أراها، وها هى تطاردني واحدة واحدة.  كنت أفعل الخطية وأنساها، وها أنا أتذكر كل شيء.  أُف!

الضمير يستيقظ

لقد استيقظ ضميري بعد سُبات طويل، ويبدو أنه لن ينام بعد اليوم.  لقد استيقظ ليعذبني عذاباً مؤبَّداً.. إنه يشهد عليَّ، يصيح فيَّ: يا لك من أبْلَه.. كم من المرات نبّهتُك، ولكنك أغفلت.  نصحتك وأرشدتك، ولكنك أبيت.  حذّرتك "لا تفعل هذا"، ولكنك فعلت... فاحصد الآن ما زرعت، واجني ما غرست.  فالويل لك فأنا لم أكتب، إنما أنت الذي كتبت.

ما أراه

هنا في هاوية العذاب أرى أُناساً من كل الأجناس، أرى رؤساء وأمراء، وأرى النبلاء مع الأدنياء؛ والكل في النار سواء.  هنا أرى نفوساً لبست قبلاً ثياب الأبرار، ولكن الثياب احترقت وانكشف المستور، فيا للعار!  وأرى كثيرين ممن خدعوا الناس وأضلوهم، وما كانوا إلا لنفوسهم خادعين ومُضِلين. هنا الأغنياء حُفاة عُراة، كانوا في أرضكم من أطيب المشروبات ينهلون، وها هم على قطرة ماء يصرخون ويلهثون.  وأرى أيضاً مَنْ تسمونهم في أرضكم بالنجوم، وقد أمسوا غيوم في حزن ووجوم، كانوا يوماً بالكوميديا يضحكون ويطربون، فها هم في مرارة المُرّ مربوطون.

ما أسمعه

هنا لا أسمع إلا صوت الصراخ والندم، اللعنة والمرارة، وها أنا أغوص مرة أخرى في أعماق الظلام فلا أرى شيئاً. ماذا تريد؟ .. لقد أوجعت قلبي إني أناشدكم يا سكان الأرض أن لا تأتوا إلى موضع العذاب هذا.  فباسم سكان الجحيم جميعاً لا تجيئوا. فلا يوجد في جهنم ماء ولا طعام، لا راحة ولا سلام، لا نتيجة للأيام، ولا خروج من جهنم النار.
وهنا يقصُر الكلام.  لقد كانت أمامي فرصة، ولكنها ضاعت إلى الأبد.  أما أنتم فمازالت الفرصة أمامكم، وأنا أحيلكم إلى محبة الله ونعمته. نعم أيتها النفس الغالية .. فمازالت الفرصة أمامكِ، وابن الله لم يغضب بعد (مزمور 2: 12)، ولكنه سيغضب حتماً (رؤيا 6: 17).  فمهما كانت خطيتك وجريمتك، تعالي له بجملتك. قفي يا نفسي أمام صليب المسيح وانظري يديه، اليدين اللتين أسستا الأرض وعملتا السماوات، هما ذات اليدين التي لأجلك قيّدوها وبالمسمار سمّروها وثقبوها. فو إن كان القلب قاسياً لا يذيبه الجحيم واللهيب، أفلا تذيبه جروح الحبيب.