* أراك متجهماً، ما بالك؟
(هكذا ابتدر الشيخ صديقه الشاب إذ رآه عابس الوجه).
* لا شيء.
* بل أعتقد أن هناك شيئاً، فأنت على غير عادتك معبس الوجه.
* الحقيقة أني أخشى أن أحدّثك في الأمر فتلومني أنت أيضاً كالآخرين.
* صديقي، أنت تعرف ما أكنه في قلبي تجاهك، وتدرك أني أبغي دائماً صالحك وأن أراك تحيا كما يريدك الرب أن تحيا. ثم لا تنسَ أنني لا أرتكن في كلامي إلا إلى كلمة الله وما تعلمنا إياه. أفلا يشجعك ذلك؟
* أوافقك، ولا مانع عندي الآن من أن أتكلم.
* إذا قُلّ لي ما الذي يضايقك.
* يزعجني كثيراً حكم الناس على بعض تصرفاتي التي لا أرى أيّة غضاضة في أن أفعلها؛ ومع ذلك فإن هناك البعض ممن أحترم آراءهم من المؤمنين أجدهم يوجِّهون إليَّ بعض اللوم عليها.
* ولماذا تنزعج، مادام هذا التوجيه يأتي من أناس أنت تقدِّر رأيهم، ولاسيما أنهم من المؤمنين؟
* لأني لا أجد في هذه التصرفات ما يزعج ضميري، وحسب حكمي أنا لا أجد أي سبب يمنعني من أن أفعلها.
* لكن عليك يا صديقي أن تعتبر رأي الآخرين، ولا سيما إذا بنوه على كلمة الله والحكمة.
* ولكن أ لست حراً ولي حق أن أتصرف كما يروق لي، مادام ليس في ما أفعل خطأ واضح؟!
* أعلم أن لك حقوقاً ياعزيزي، ولا يستطيع أحد أن ينكر عليك حقوقك هذه، ولكني ألفت نظرك إلى أنه ليس من ضمن هذه الحقوق أن تفعل ما شئت وما يسرّك دون اعتبار للآخرين، بل عليك أن تراعيهم في تصرفاتك.
* لماذا؟
* اعتقد أنك توافقني أنه ليس من الروح المسيحية في شيء أن يكون اهتمامي بنفسي فحسب. والحقيقة أنني إذا فعلت ذلك لن أكون حراً، بل أسيراً للأنانية البغيضة.
* أوافقك بعض الشيء.
* وفي غلاطية5:23-26 يؤكِّد الكتاب على أن لنا حريات، لكنه في ذات الوقت يحذرنا من أن نسيء استخدام هذه الحريات فنسمح من خلالها للجسد فينا (الطبيعة الرديئة التي فينا) أن يُظهر أعماله الرديئة، وبصفة خاصة تجاه الآخرين، ويدعونا في المقابل لكي نكون سبب بركة للآخرين ونراعيهم في تصرفاتنا، فنتعامل معهم بالمحبة التي هي أول ثمار الروح القدس.
* ولكن كثير من هذه التصرفات التي يلومونني عليها تخصني أنا، فما دخل الآخرين في الأمر؟
* بمنتهى البساطة: إني حيثما وُجدت مع آخرين فإني أؤثِّر وأتأثر.
* ماذا تقصد؟
* دعني أشرح لك هذا من خلال تجربة فيزيائية. هب أننا أتينا بجسمين معدنيين: أحدهما عند درجة حرارة منخفضة، والآخر عند درجة مرتفعة، ووضعنا الجسمين ملتصقين معاً، وتركناهما لفترة من الزمن، ثم لاحظنا تغير درجة الحرارة، فأي من الجسمين سيتأثر؟
* الاثنان بالطبع، واحد سيبرد والآخر سيسخن.
* وهكذا نحن بتعاملنا مع الآخرين فإننا نؤثر بتصرفاتنا وكلماتنا ونظراتنا وما إلى ذلك؛ وسواء قصدنا ذلك أم لم نقصد فسيكون هناك ثأثير، وسيكون هذا التأثير إما سلبياً يهدم شيئاً حسناً في الآخرين أو يعطل مسيرتهم، أو إيجابياً يبني ويفيد الآخرين. ولذلك فعليَّ أن أتحذر من التأثير الذي أتركه في الآخرين.
* لكني لا أجد نفسي مضطرًا للاهتمام كثيراً بما يصيب الآخرين.
* ألمح في قولك نغمة من قال: «أ حارس أنا لأخي؟» (تكوين 4: 9 ).
* بالطبع أنا لا أقصد ذلك بالضبط، فأنا لا أحب أن أضع نفسي موضع قايين.
* نعم، أرجو ألا تنسَ أن هذه لغة شخص كان من الشرير(1يوحنا3 : 12 ).
* بالطبع أنا لا أحب هذا الاتجاه.
* ثم إني إذا لم اهتم بما يصيب الآخرين من تصرفاتي، فسيصدر مني الكثير من التصرفات التي قد تعثرهم روحياً أو نفسياً. والكتاب قد أوصانا ألا نعثر أحد، وحذرنا من عاقبة ذلك أيضاً (رومية 14 :13؛ متى 18 :7).
* وما المطلوب مني إذاً؟
* أن تحسب تصرفاتك جيداً، وتضبطها أولاً على كلمة الله، فهي خير ما يزكي طريقك (مزمور 119 : 9).
* ثم ماذا؟
* أن تراعي الآخرين، واضعاً في اعتبارك أن تكون سبب بركة لهم لا هدم. واستعد لأن تتخلى حتى عن بعض حقوقك - إن لزم الأمر - لكي لا تكون معثرة لأخيك، كما كان بولس على استعداد أن يتنازل عن حقه في أكل اللحم إن كان ذلك سيُعثر أحداً (1كورنثوس 8 : 13 ).
* وما الذي يشجعني على أن أفعل ذلك؟
* إنه أحد مظاهر القوة الروحية ألا نهتم بإرضاء أنفسنا، بل أن نهتم بالآخرين لأجل بنيانهم. ولا تنسَ مثالنا الأعظم، ربنا يسوع المسيح، الذي كُتب عنه أنه «لم يٌرضِ نفسه» (اقرأ رومية 15 :1-3). كذلك التفت إلى تحريض الكتاب «ابنوا أحدكم الآخر» (1تسالونيكي 5: 11 ).
* لقد قلت إني أؤثر وأتأثر، وتكلمت فقط عن كيف أؤثر.
* إن موضوع كيف تتأثر أنت، هو حديثنا في مرة قادمة إن شاء الرب. فإلى اللقاء.