يهوشافاط

هو صاحب الصلاة الشهيرة التي كانت ولا زالت مصدراً لتشجيع كبير لأولاد الله حين يواجهون الأزمات والصعوبات: «لأنه ليس فينا قوة أمام هذا الجمهور الكبير الآتي علينا، ونحن لا نعلم ماذا نعمل، ولكن نحوك أعيننا» (2أخبار 20: 12). 

إنه يهوشافاط الملك الذي يُعد، مع حزقيا ويوشيا، من أعظم وأتقى الملوك الذين عرفهم عرش داود قديماً.  و اسم «يهوشافاط» معناه «الذي يدينه يهوه»، وبلا شك كان يضع نصب عينه دائماً حقوق الرب وسلطانه عليه وكان هذا هو الطابع المُميّز لحياته، على الرغم من أنها لم تخلُ من نقاط الضعف.  وكان الرب مع يهوشافاط لأنه سار في طرق داود أبيه الأولى (أي قبل سقطته في خطيته المشهورة) ولم يطلب البعليم، ولكنه طلب إله أبيه وسار في وصاياه، لا حسب أعمال إسرائيل؛ فثبّت الرب المملكة في يده... وتقوى قلبه في طرق الرب. (2أخبار 17: 3-5).  لقد تم فيه قول الكتاب : «الرحمة والحق يحفظان الملك وكرسيه يسند بالرحمة» (أمثال 20: 28).

جوانب مضيئة

1-يهوشافاط والشريعة: كان محباً للشريعة، ومتعلِّقاً بها.  وإذ أدرك أهميتها الكبرى لنجاحه ونجاح شعبه، كلّف ستة عشر شخصاً من الرؤساء واللاويين ليطوفوا البلاد ويعلموا كلمة الله «فعلموا في يهوذا ومعهم سفر شريعة الرب وجالوا في جميع مدن يهوذا وعلموا الشعب».  هل تعلم ماذا كانت النتيجة؟  «كانت هيبة الرب على جميع ممالك الأرض التي حول يهوذا فلم يحاربوا يهوشافاط» (2أخبار17: 7-10).  أ لم يكن هذا تتميماً لوعد الرب قديماً على فم موسى: «لأنه إذ حفظتم جميع هذه الوصايا التي أنا أوصيكم بها لتعملوها لتحبوا الرب إلهكم وتسلكوا في جميع طرقه وتلتصقوا به، يطرد الرب جميع هؤلاء الشعوب من أمامكم ... لا يقف إنسان في وجهكم، الرب إلهكم يجعل خشيتكم ورعبكم على كل الأرض التي تدوسونها كما كلمكم» (تثنية 11: 22-25).  أحبائي: هل نريد القوة في حياتنا؟  إنها مرتبطة بطاعتنا لكلمة الله.

2-يهوشافاط والعدل:  أراد هذا الرجل التقي أن يعم العدل بين شعبه، وهي نتيجه طبيعية لطاعته لشريعة الرب، لذا قام هو بنفسه بالتجوال بين الشعب وردهم إلي الرب إله آبائهم، ولم يكتفِ بهذا، بل أقام قضاة في الأرض في كل مدن يهوذا المحصنة في كل مدينة فمدينة، وقال لهم «انظروا ما أنتم فاعلون لأنكم لا تقضون للإنسان بل للرب وهو معكم في أمر القضاء والآن لتكن هيبة الرب عليكم (أي خافوا الرب وأعملوا له حساباً) احذروا وافعلوا لأنه ليس عند الرب إلهنا ظلم ولا محاباة ولا ارتشاء» (2أخبار19: 4-7).  تُرى، هل نوصف بأننا عادلين في تصرفاتنا منصفين في آرائنا مبتعدين عن المحاباة؟  إنها صفات رائعة، حتى ولو كانت نادرة في أيامنا، لكن ما أجمل أن يتجمل بها أولاد الله ليظهروا صفات أبيهم الذي ينتسبوا إليه.  إن الحكمة التي من فوق هي أولاً طاهرة (أي تصنع حق الله أولاً) ثم مسالمة وأيضاً عديمة الريب أي بلا ازدواج في التصرف) (يعقوب3: 17).

3-يهوشافاط والاستناد على الرب: ليس غريباً أن يثور الشيطان ضد المؤمن التقي الذي يمجد الله، وهذا ما حدث مع يهوشافاط، إذ اتحد ضده ثلاث ملوك بجيوشهم، فماذا فعل؟ «فخاف يهوشافاط وجعل وجهه ليطلب الرب ونادى بصوم في كل يهوذا.  ووقف وصلى قدام شعبه قائلاً:.يا رب إله آبائنا، أما أنت هو الله في السماء وأنت المتسلط على جميع ممالك الأمم وبيدك قوة وجبروت وليس من يقف معك؟  أ لست أنت إلهنا .... يا إلهنا، أما تقضي عليهم، لأنه ليس فينا قوة أمام هذا الجمهور الكثير الآتي علينا، ونحن لا نعلم ماذا نعمل، ولكن نحوك أعيننا» (2أخبار 20:  1-13).

لم يذهب يهوشافاط للتحالف مع ملك آخر ليعاونه لمواجهة الأعداء، بل ذهب ليرتمي على الرب وحده، ولم يجمع شعبه ليعلن حالة الطوارئ وليدعوهم جميعاً للاشتراك في المعركة ولكنه دعاهم للتذلل قدام الرب، وعبّر في صلاته أمامهم عن عجزه وضعفه الكلي وانتظاره للرب وحده.  والرب لا يمكن أن يقف مكتوف الأيدي إزاء هذا، فهو «لا يسر بقوة الخيل ولا يرضى بساقي الرجل (بل) يرضى الرب بأتقيائه بالراجين رحمته» (مزمور 147: 01 ،11).  واستجابه الرب، ودخل معه المعركة وتحول جيشه إلى أغرب ما يعرف في تاريخ الجيوش والمعارك، إذ لم يحارب بل وقف يرنم ترنيمة الخلاص، وتحول الأعداء بعضهم ضد بعض يساعد بعضهم على إهلاك بعض.  واختبر الملك أن الصلاة أفعل من كل أدوات الحرب والقتال.  ما أطيب الرب الذي يسمع صرختنا في نصف الليل ويحول الليل إلي اختبار حتى أنه أطلق على المكان وادي بركة!

نقطة الضعف وسبب الفشل

بدأ يهوشافاط بموقف الحزم مع الشر والفساد إذ، تشدد تجاه مملكة إسرائيل حيث آخاب الملك الشرير وزوجته إيزابل والعبادة الوثنية التي ملأت البلاد.  لقد تحصن ضدهم وانفصل عنهم، لكنه لم يلبث أن تحول إلى النقيض من ذلك إذ صاهر آخاب، لقد تحول من سياسة المجابهة إلى سياسة المحالفة كما قال أحدهم، لقد وقع في الفخ الخطر الذي يقع فيه كثيرين من أولاد الله والذي يحذر منه الكتاب كثيراً، ففي العهد القديم، في تثنية 7: 3-11، حذر الرب من مصاهرة الأمم المحيطة، وفي العهد الجديد نجد التحريض «لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين... لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا، يقول الرب ولا تمسوا نجساً فأقبلكم وأكون لكم أباً وأنتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرب القادر على كل شيء» (2كورنثوس 6: 14-18).  ربما فعل يهوشافاط ذلك بدعوى القلب الكبير الذي يقبل الكل أو اليد الممتدة للتعاون مع الجميع، إلا أنه لم يدرك الخطر العظيم الذي يهدده.  ونقرأ عن ثلاث مناسبات تحالف فيهم مع ملوك أشرار في مشروعات مشتركة وباءت كلها بالفشل:

1- في 1ملوك22 تحالف مع آخاب في حرب لاسترداد راموت جلعاد.  وكاد أن يفقد حياته لولا رحمة الرب الذي تدخل وأنقذه.

2- في 2أخبار 20: 35-37 دخل في مشروع تجاري مع أخزيا ابن آخاب، إذ كوّنا أسطولاً تجارياً مشتركاً، لكن تكسرت السفن وفشل الموضوع لأن الرب أقتحم أعماله.

3- وفي 2ملوك3 اتحد مع يهورام ابن آخاب وملك أدوم في حرب ضد ملك موآب، وكادت الجيوش تموت عطشاً إلا أن الرب تدخل بواسطة أليشع النبي وأنقذهم رحمة بعبده يهوشافاط.

إن الدرس الأساسي الذي نتعلمه هنا هو أن يكون لنا موقف ثابت ضد الشر، أن ننفصل بكل وضوح عن كل ما لا يتفق مع قداسة الرب، سواء في الحياة العملية أو في العبادة والخدمة.  لنتعلم ألا نجامل على حساب الرب، ولا نقدم تنازلات على حساب الحق «اقتن الحق ولا تبعه».  ربما يكلفنا هذا التضحية بأشياء محببة أو أصدقاء مقربين، لكن الرب فيه الكفاية للتعويض والمكافأة «فلنحرص أن نكون مرضيين عنده».