دعونا نستعرض معاً، ماذا كنا نتوقع أن نري إذاً تجسد الله، وهو بالطبع قادر أن يفعل ذلك إذا أراد. فأول الكل كنا نتوقع أن يدخل إلي العالم بطريقة غير اعتيادية، ثم يجب أن يحيا حياة البِرِّ والقداسة، ولا بد أنه يعمل المعجزات التي تفوق طاقة البشر، وأن تكون كلماته هي أسمى ما قيل على الإطلاق، كما نتوقع أن يُوجِد علاجاً لمشكلة الخطية، وأن يُشبع الجوع الروحي للإنسان. ودعونا الأن نستعرض ما أظهره وأعلنه المسيح لنرى كيف يتطابق ذلك مع ما كنا نتوقع أن نراه في الله المتجسد:
أولاً: دخوله إلي العالم
أتى الملاك إلي عذراء من الناصرة تُدعي مريم وقال لها: «ها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلي الأبد، ولا يكون لملكه نهاية. فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟ فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، لذلك القدوس المولود منك يُدعي ابن الله» (لوقا 2: 32-35). فلقد وُلِد المسيح بدون أب بشري، لأنه في الواقع هو الابن الأزلي الوحيد الذي هو في حضن الآب.
ثانياً: ماذا عن الحياة التي عاشها علي الأرض؟
لقد عاش سيدنا حياة بارة قدوسة، فهو الذي لم يعرف خطية ولا وُجِد في فمه غش أو مكر؛ فهو الوحيد الذي وطأت قدماه أرضنا ولم تطأه الخطية. ولقد شهد الجميع لبرِّه: الأعداء والأحباب، وفوق الجميع شهد الآب له، بل حتي الشياطين لم تستطع أن تنكر قداسته.
ثالثاً: ماذا عن أعماله ومعجزاته؟
حينما رأي تلاميذه كيف أنه أسكت البحر بكلمه، خافوا خوفاً عظيماً، وقالوا بعضهم لبعض: «من هو هذا؟ فإن الريح أيضاً والبحر يطيعانه» (مرقس 4: 41). فلقد أظهر سيدنا سلطانه علي: قوة الطبيعه، المرض، الموت، غفران الخطايا، وأيضاً علي الأرواح الشريرة؛ فقد كان بحق قادر علي كل شيء.
رابعاً: ماذا عن تعليمه؟
لقد نطق سيدنا بأقواللم يكن بطاقة البشر النطق بها، فهي أسمى مما يتصوره العقل. كان الأنبياء قديماً يقولون : «هكذا قال الرب» أما هو فكان يقول : «أما أنا فأقول لكم». كان السلطان يميّز تعليمه والقوة والقدرة تلازمان كلماته. وإجمالاً لم يتكلم إنسان قط مثلما تكلم.
خامساً: ماذا فعل لحل مشكلة الخطية؟
هذه المعضلة التي حيّرت الإنسانية في كل تاريخها، وذلك السؤال الذي لم يكن له إجابة إلا في فكر الله «كيف يتبرر الإنسان عند الله؟» (أيوب 9: 2). لقد صنع المسيح بنفسه تطهيراً لخطايانا، فهو الذبيح الحقيقي الذي إليه كانت تُشير كل ذبائح العهد القديم. بموته الكفاري وفّى الله كل مطاليب عدالته وحقه من جهة خطايا الإنسان، وردّ له مجده السليب بسبب تعدي الإنسان، وبذلك فتح باب رحمة الله ونعمته وفتح لنا باب التبرير والقبول لدى الله، بحيث أنه، على أساس موت المسيح وقيامته فإن الله يقبل ويبرر كل خاطئ يرجع إليه تائباً مؤمناً بشخص المسيح وبعمله الكفاري، يمنحه طبيعة جديدة ويضمن له حياة أبدية.
سادساً: هل يقدم المسيح الشبع الروحي لتابعيه؟
جلس الجمع الجائع أمامه في القديم، فأشفق عليهم حينما رآهم كغنم لا راعي لها، كلّمهم كثيراً وملأ قلوبهم عزاءً وفرحاً، حتى أنهم نسوا جوع أجسادهم إذ شبعت أرواحهم. وكم ملأ ويملأ بكفايته قلوب الملايين من أتباعه ومحبيه بما لا يستطيع العالم أن يعطي - ولو امتلك الإنسان العالم كله - ونستطيع أن نقول إنه لا حدود للشبع لقلب يمتلئ بالمسيح. مما سبق يمكننا أن نقول إن المسيح قد أخبر وبيّن في شخصه أنه الله الظاهر في الجسد، له المجد.