في إبريل 1983 قرأت هذه الحادثة في جريدة أخبار اليوم:
أرملة فقيرة عندها ستة أولاد، كانت تعولهم عن طريق "تجارة الشنطة" بين القاهرة وبيروت، وذلك بأن تشتري بضائع من مصر وتسافر لتبيعها في لبنان، وفي عودتها تأتي ببضائع من هناك لبيعها في مصر.
وأثناء عودتها في إحدى المرات، توسل إليها أحد الأشخاص بأن تحمل معها لفافة صغيرة من الأدوية اللازمة لإنقاذ حياة قريبته المسكينة المريضة في القاهرة؛ فأخذتها معها بطيبة قلب، وهي لا تدري أنها أنابيب مليئة بمسحوق الهيروين المخدر.
قُبِض عليها في مطار القاهرة، واعترفت ببساطة. وفي المحاكمة، كان القاضي متأكداً من براءتها، ولكنه، كرجل القانون، كان مضطراً، تنفيذاً للقانون، أن يحكم عليها بالسجن المؤبد. ولكنه لشدة تأثر ضميره، وأيضاً لإحساسه بمدى ظلمها،أُصيب بذبحة صدرية، واستقال من عمله.
عندما قرأت هذه الحادثة، لم أستطع أنا أيضاً أن أمنع تأثري الشديد وانفعالي بظروف تلك المسكينة. وسألت نفسي:
لماذا لم تُرحم تلك المرأة؟ ولماذا لم تُبَّرأ ساحتها؟
ولكني عدت وقلت لنفسي: لو أنها قد رُحِمت وبُرِئت، فأين العدالة إذاً؟ ولكن إن حُكم عليها (وهذا ما حدث فعلاً)، فأين الرحمة؟
ووصلت إلى النتيجة القائلة بأن الرحمة والحق لا يمكن أن يتلاقيا معاً.
ثم تذكرت كلام الكتاب المقدس في مزمور85: 10، والذي يقول: «الرحمة والحق التقيا، البر (العدالة) والسلام تلاثما».
كيف يلتقي الضدّان؟ وكيف يتعانق المتناقضان؟
عندها وجّهت نظري إلى الصليب، حيث أخذ الحق الإلهي مجراه، واستوفت عدالة الله كل مطالبها. فعقوبة خطايانا كلها قد دفعها الرب يسوع متألماً عنا، وهناك أيضاً أعلن الله رحمته الغنية في الصفح الكامل عن الخطاة المذنبين، مقدِّماً لهم السلام والمصالحة، على حساب دم ابنه المسفوك على الصليب.
نعم ما أغناها رحمة! فهل تمتعت بها؟
وما أحلاه سلام! فهل ملأ قلبك أنت أيضاً ؟
«الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم ... لأنه جعل الذي لم يعرف خطيةً، خطيةً لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه» (2كورنثوس 5: 19 ،20).
تعال بالإيمان للمصلوب،
فتُمحى الذنوب.. كل الذنوب.
تعالَ الآن للمصلوب،
يغطي العيوب.. كل العيوب.