جاءت آية جميلة في المزمور الرابع تقول «فاعلموا أن الرب قد ميَّز تقيّه» (مزمور4 :3). وهنا نسأل: من هو الشخص المميَّز عن غيره؟ هل هو فقط الذي آمن بالرب يسوع فتمتع بغفران خطاياه ونال الحياة الأبدية؟ والإجابة إنه ليس فقط من آمن إيماناً حقيقياً، بل الذي يعيش حياة التقوى.
والتقوى هي مخافة الرب. فالشخص التقي خائف الله، يقدِّر الله جداً ويحبه ويحترم مشاعره، ويعطي له مكانة في قلبه. وهو ليس خائفاً من الله، لأن الخائف من الله هو الشرير الذي تنتظره الدينونة. وفي كلمة الله الكثير من الذين ميَّزهم الرب عن غيرهم، نذكر بعضاً منها:
1- إبراهيم: الذي كان بحق رجل الإيمان التقي، الذي أطاع دعوة الرب له، فخرج من أور الكلدانيين إلى مكان لا يعرفه، وعاش غريباً ساكناً في خيام. وعندما قدّم ابنه الوحيد إسحاق على المذبح، طاعةً لصوت الرب، شهد الله عنه قائلاً: «الآن علمت أنك خائف الله، فلم تُمسك ابنك وحيدك عني»، وشهد سكان الأرض بتمييز الرب له قائلين «يا سيدي أنت رئيس من الله بيننا» (تكوين22 :12؛ 23: 6).
2- إسحاق: الذي أطاع صوت الرب، فعندما حدث جوع في الأرض، وذهب إلى أرض الفلسطينيين، وظهر له الرب وقال له: «لا تنزل إلى مصر... تغرَّب في هذه الأرض فأكون معك وأباركك» (تكوين26 :2 ،3). فماذا كانت النتيجة؟ لقد زرع إسحاق في تلك الأرض، فأصاب في تلك السنة مئة ضعف، وباركه الرب فصار عظيماً جداً، حتى قال له أبيمالك، ملك الفلسطينيين، ومَن معه «إننا قد رأينا أن الرب كان معك... أنت الآن مُبارَك الرب» (تكوين 26 :28 ،29). لقد شعر أبيمالك ومن معه أن إسحاق رجل مميَّز عنهم والرب قد باركه.
3- يوسف: الذي عاش حياة التقوى، خائفاً لله، إذ وهو غلام انفصل عن اخوته بسبب شرهم «وأتى يوسف بنميمتهم الرديئة إلى أبيه» (تكوين73: 2)، وعندما كان في بيت فوطيفار رئيس الشرطة المصري رفض بشدة فعل الخطية التي عُرِضت عليه، وقال عبارته الشهيرة: «كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟!»(تكوين39 :9). ومع أنه دخل السجن وتألم، فإن الرب أكرمه كثيراً جداً وجعله مميَّزاً إذ صار متسلطاً على كل أرض مصر، وبدونه لم يكن يتم أي شيء في كل أرض مصر.
4- دانيال والفتية الثلاثة: لقد سُبي دآنيال مع فتيان كثيرين من بني إسرائيل من أورشليم إلى بابل، في وسط ظروفه المؤلمة، لكنه جعل في قلبه أن لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه، طائعاً لكلمة الله، وشاركه في ذلك حننيا ومِشائيل وعزريا، فأكلوا القطاني (بقوليات) بدلاً من طعام القصر الشهي، وشربوا ماءً بدلاً من الخمر؛ فكانت مناظرهم أحسن وأسمن لحماً من كل الفتيان الآكلين من أطايب الملك، وليس ذلك فقط بل إن الله ميَّزهم إذ أعطاهم معرفة وعقلاً في كل كتابة وحكمة، حتى أنهم عندما وقفوا أمام الملك لاختبارهم وسؤالهم في كل أمر حكمة فهم، وجدهم عشرة أضعاف فوق كل الحكماء في مملكته.
والمثال الأروع للتقوى الحقيقية نراه في الرب يسوع المسيح عندما جاء متجسداً «وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد»(1تيموثاوس3 :16). وهو الذي سُمع له من أجل تقواه (عبرانيين5: 7)، لذلك عند موته لم يرَ جسده فساداً وقام بالمجد (مزمور16: 10 مع أعمال2: 27 - 31). أخي .. أختي.. عندما تعيش حياة التقوى فإن الرب لا بد وأن يكرمك ويجعلك مميَّزاً. وتذكَّر قول الكتاب «روِّض (درِّب) نفسك للتقوى، لأن الرياضة الجسدية نافعة لقليل ولكن التقوى نافعة لكل شيء إذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة» (1تيموثاوس4 :7 ،8).