جاءت آية في رومية 12: 1 تقول «فأطلب إليكم أيها الإخوة، برأفة الله، أن تقدِّموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله». ونفهم من كلمة الله أن الذي يقدِّم للرب تقدمة مقبولة هو المؤمن الحقيقي الذي اغتسل من خطاياه بدم المسيح، أما تقدمة الأشرار فمرفوضة «ذبيحة الشرير مكرهة» (أمثال 21: 27). وفي كلمة الله نجد الكثير من الأتقياء الذين قدَّموا للرب الكثير، فمثلاً:
إبراهيم، رجل الله، عندما ذهب إليه الرب ومعه الملاكان، أضافهم إذ قدّم لهم زبداً ولبناً والعجل الذي ذبحه خصيصاً لهم. وبعد ذلك أيضاً قدّم ابنه الوحيد المحبوب، إسحاق، على المذبح؛ طاعة للرب (تكوين19؛22).
وقدمت حنه للرب ابنها صموئيل، الذي جاء بعد فترة طويلة من عدم الإنجاب، وكانت تصلي للرب قائلة: «إن... أعطيت أَمَتَك زرع بشر فإني أعطيه للرب كل أيام حياته» (1صموئيل1: 11)، ولقد كان صموئيل رجلاً مكرَّساً للرب، نافعاً لشعب الله.
وعند صُنعت خيمة الاجتماع عندما كان موسى رجل الله وشعب الله سائرين في البرية، أتى كل سموح القلب بتقدمات مختلفة للرب من ذهب وفضة ونحاس وأسمانجوني وخشب السنط وزيتاً وأطياباً و... ولقد اشترك في هذا الأمر الرجال والنساء، وأيضاً الرؤساء الذين قدّموا أحجاراً كريمة. وكل النساء الحكيمات القلب غزلن بأيديهن، وكل رجل حكيم القلب، أنهضه قلبه، شارك في هذا العمل (خروج35؛36).
والأرملة المسكينة، التي لم تكن تمتلك غير فلسين، هما كل معيشتها، قدّمت هذا المبلغ، الذي في نظر البشر قليل جداً، لكنه في نظر الله كثير جداً. لأن الرب يسوع، الذي يعلم قلوب البشر، قال: «إن هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من الجميع، لأن هؤلاء من فضلتهم ألقوا ... وأما هذه فمن إعوازها ألقت كل المعيشة التي لها» (لوقا21: 3 ،4).
لقد كان مؤمنو مدينة فيلبي أتقياء يحبون الرب، ومع أنهم كانوا فقراء لكنهم كانوا أسخياء في العطاء؛ لذلك اشتركوا في احتياجات القديسين وفي احتياجات الرسول بولس. لقد أعطوا حسب الطاقة، بل وفوق الطاقة من تلقاء أنفسهم، وذلك لأنهم أعطوا أنفسهم أولاً للرب (2كورنثوس8: 2-5).
وبعد ولادة ربنا يسوع المسيح بفترة من الزمن، أتى مجوس -علماء في الفلك - من المشرق إلى أورشليم باحثين عنه، وبعد أن وجدوه خرّوا وسجدوا له. ثم فتحوا كنوزهم وقدّموا له هدايا؛ ذهباً ولباناً ومراً (متى2: 11). كانت هذه الهدايا تعبِّر عن حبهم وخضوعهم له.
وقرب نهاية حياة ربنا يسوع المسيح نجد مريم أخت لعازر تعلن عن محبتها وتقديرها له، فتقدِّم طِيب ناردين خالص كثير الثمن، الذي سكبته على رأسه ودهنت قدميه ومسحتهما بشعر رأسها. ولقد مدحها الرب إذ قال عنها: «قد عملت بي عملاً حسناً» (مرقس14: 6).
والرسول بولس، بعد إيمانه بالمسيح، كان يُنفِق ويُنفَق، كان يعمل بيديه في صناعة الخيام، ويقدم لِمَن معه ما يحتاجونه. وليس ذلك فقط، بل كانت نفسه رخيصة لأجل خاطر اسم الرب يسوع، إذ قال: «لكنني لست أحتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي». وعندما بكى المؤمنون إذ علموا أنه سيذهب إلى أورشليم وستُقيَّد رجلاه ويداه، قال لهم: «لأني مستعد ليس أن أُربط فقط، بل أن أموت أيضاً... لأجل اسم الرب يسوع» (أعمال20: 24؛ 21: 13).
والمثال الأعظم في العطاء والتضحية هو الرب يسوع المسيح الذي عاش حياة العطاء، وقال عبارته الشهيرة: «مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ» (أعمال الرسل20: 35). فكم تحنّن على الجموع المسكينة وأعطى لهم حباً، وكم تعب من السفر ليُخلِّص نفساً محطَمة هالكة، كم من المعجزات صنع ليشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، وفي النهاية ذهب للصليب وقدّم حياته لأجلنا، لقد «قدّم عن الخطايا ذبيحة واحدة» (عبرانيين10: 12). إنها أروع قصة عطاء وحب وتضحية.
أخي.. أختي.. أمام الأمثلة السابقة للعطاء، وأمام عطاء الرب العظيم وتضحيته لنا، دعني أسألك:
ماذا قدَّمتَ أنت؟! ليت قلوبنا تتكرّس له، وأوقاتنا تُستثمر لمجد اسمه، وأموالنا تنفق في عمله، وبيوتنا تكون أماكن لراحة القديسين. وليت آذاننا تسمع صوته فقط، وعيوننا تنظر إليه فقط، أفواهنا تتحدث عنه وتذيع بشارة الإنجيل، أيدينا تعمل عمل الرب باجتهاد، أرجلنا تتحرك لخدمته. وبهذا نقدِّم أجسادنا بالتمام له.