كان الثلاثاء 20 إبريل 1999 يوماً عادياً لكاسي برنلCassie Bernall ، ذات السبعة عشر ربيعاً، ففي حوالي الساعة 7.30 صباحاً، ودّعت أمها، وخرجت بصحبة أخيها الأصغر، كريس، إلى مدرستهما كولمبين Columbine، والتي تُعد من أكثر المدارس أمناً ليس في مدينتها ليتلتاون فقط بل في ولاية كولورادو الأمريكية التي تقع فيها. وفي الحادية عشر والنصف صباحاً، اتجهت كاسي إلى المكتبة، كعادتها، لإنجاز بعض واجباتها. وهناك وقعت أحداث هزت المجتمع الأمريكي كله لوقت طويل، وتناولته الأقلام في الصحف وعلى شبكة الإنترنت. ودعني أروي لك القصة كما روتها شاهدة عيان من ضمن الذين كانوا بالمكتبة في ذلك الوقت:
كنا بداخل المكتبة، في وقت الراحة، عندما فوجئنا بإحدى المدرسات تهرع إلينا صارخة أن هناك من يحملون أسلحة ويطلقون النيران في المدرسة. اعتقدنا أنها مزحة في البداية، أو ربما كانت معركة قامت بين بعضهم. لكن لم تمضِ دقيقة إلا وسمعنا أصوات طلقات نارية متتالية تقترب منّا. صرخ مسئول المكتبة فينا أن ننزل أسفل المناضد لنحتمي. في الحال فوجئنا باثنين مسلّحين يدخلان المكتبة وهما يضحكان بنشوة بالغة، صاح أحدهما بالآخر: «إنها الفرصة التي انتظرناها طوال حياتنا». وأخذا يصيحان بالموجودين ويطلقان النار في أرجاء المكتبة. لم أرَ وجهيهما وقتها، لكن أصواتهما كانت مرعبة وممتلئة بالشر. ومن مخبئي سمعت حديثاً، أدركت بعد قليل أنه بين أحد المسلَّحين وصديقتي العزيزة كاسي. سألها بصوت مليء بالشراسة: «هل تؤمنين بالله؟»، ساد صمت لثوانٍ معدودات حتى سمعت صوتها، الذي لا أخطئه أبداً، قائلة بثبات: «نعم، أومن بالله»، فصرخ الفتى «لماذا؟»، ولم يعطها فرصة للرد، بل سمعت صوت سيل من طلقات سلاحه الناري. لست أدري ما الذي دعاه لسؤالها: هل كانت تصلي؟ أم كانت تقرأ الكتاب المقدس كعادتها؟ هل كان يعرفها من قبل، وسمع شهادتها عن المسيح؟ لست أدري! لكن ما لن أنساه هو قوة تصريحها بإيمانها بالمسيح.
أسفر هذا الحادث عن مقتل 14 طالب ومدرس واحد وجرح الكثيرين، قبل أن يقوم القاتلان، إرك هاريس (18سنة) وديلان كلبود (17سنة)، بإطلاق النيران على نفسيهما. وبالتحقيقات وُجد أنهما من طلبة المدرسة، وهما ينتميان لمجموعة تطلق على نفسها «مافيا المعاطف السوداء»، وهي مجموعة تمارس السحر وعبادة الشيطان، اشتهروا بملابسهم السوداء، وتصرفاتهم الشاذة كطلاء وجوههم، وسماعهم للموسيقى الصاخبة للغاية، وعنفهم الشديد، وعدائهم لكل من يعترف بإيمانه بالمسيح. وقد وجد المحققون في مذكرات أحدهما الخطة الكاملة، التي اتضح أنهما يخططان لها منذ زمن بعيد، وأنهما كانا يبغيان قتل 500 شخص!
الشيء المثير، أن كاسي نفسها كانت تسير في الطريق عينه الذي كان يسير فيها قاتلاها. فقبل عامين ونصف من هذا التاريخ، لاحظ والداها تأخرها في الدراسة وهروبها من المدرسة وتغير شخصيتها وعاداتها، وقد وجدت أمها في حجرتها خطابات ممتلئة بكلمات صعبة وإشارات دموية وكلام عن الموت والانتحار؛ واكتشفا أنها قد انضمت إلى مجموعة تعلن تبعيتها للشيطان. وقد بذلا أقصى جهد لإرجاعها عن تلك الطريق، حتى أنهما قاما بنقلها من المدرسة التي كانت فيها، لكن محاولاتهما لم تُجدِ كثيراً. حتى كان يوم ذهبت فيه إلى أحد مؤتمرات الشباب، وهناك تقابل الرب معها فقبلته كالمخلص الشخصي لها، وعادت لأمها بالبشرى «أماه لقد تغيرت، لقد نلت حياة جديدة في المسيح»؛ وقد كان. ومن يومها سعت لأن تكون شاهدة للمسيح، وهذا ما شهد به عنها الكثيرون. قالت إحدى زميلاتها في الفصل «لقد كان وجهها يشع بنور المسيح». وقد كانت تهتم بخدمة المشردين في المنطقة مع مجموعة من كنيستها. وجد أخوها قصاصة ورق في حجرتها، تحمل تاريخاً أسبق من موتها بأيام، مكتوب عليها: «أتوق بشدة أن أحيا حياتي للمسيح، مع أني أعلم أن ذلك صعب، لكنه أمر يستحق الحياة من أجله».
وفي جنازتها، التي حضرها أكثر من 2000 شخص، كانت شهادات من كثيرين كيف تأثروا بموقفها الصَلِب من إيمانها. اسمع ما قاله بعضهم عنها: «لقد ماتت من أجل إيمانها، وليس ذلك غريباً فتلك كانت حياتها». «لقد غيّرت كاسي أسلوب حياتي، فما عدت أحيا لنفسي فقط، بعد أن أدركت أن هناك من يستحق أن أحيا له». «إن لي سنوات طويلة بإيمان فاتر، لكن هذه الفتاة الصغيرة أيقظته فيَّ، حتى أني لا أنوي أن أضيع دقيقة إلا وأحياها للرب».
عشرات من زملائها أحدث فيهم موقف كاسي تغييراً عملياً، بل أن ثلاثة من رفقائها في طريق الظلمة السابق أتوا لأمها ليخبرونها أن موقف كاسي كان سبباً في قبولهم المسيح مخلِّصاً.
وقد نُشرت قصتها في كتاب، وُزّع منه أكثر من مليون، وبعده وصلت لوالديها مئات الخطابات التي تعبِّر عن تأثرهم عملياً بذلك، ولم يكن مرسلو هذه الخطابات من مدينتها ليتلتاون فقط، بل أيضاً من كل أمريكا وأنحاء العالم المختلفة. هكذا امتد تأثير إيمانها في أماكن كثيرة.
كثيرون سألوا أنفسهم أمام هذا الحادث «ماذا أفعل إن سألني أحدهم عن إيماني بالمسيح من طرف بندقية؟». قال أحدهم «إنه امتحان نتمنى جميعاً أن ننجح فيه، وإن كنا لا نرجو أن نجتازه، لكن طوبى لمن ينجح فيه».
صديقي: على مر التاريخ، وإلى اليوم، عرّف الكثيرون معنى الولاء للمسيح بأن قدموا الكثير، حتى أرواحهم؛ لقد كانت محبتهم للمسيح أغلى من حياتهم. كان شعار هؤلاء «إن عشنا فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت، فإن عشنا وإن مُتنا فللرب نحن» (رومية14: 8)؛ لذا كانوا سبب بركة للكثيرين، ويكفيهم أنهم سيسمعون من فم السيد نفسه الأقوال الرائعة «نعِّما أيها العبد الصالح والأمين» (متى25: 21)، «(كنت) أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة» (رؤيا2: 10).
دعني أهمس في أذنك بكلمة في الختام: وماذا عنك أنت؟ عش للمسيح، فهو يستحق ذلك، أليس كذلك؟!