كان على شيخ وشاب أن يقفا على منصة واحدة، أمام حشد كبير، ضمن برنامج خاص. وكان على الشاب، حسب البرنامج، أن يقف أولاً أمام الجمهور ويردِّد غيبًا كلمات مزمور32، على أن يقف الشيخ بعد ذلك فيردد هو أيضًا كلمات المزمور ذاته.
وهكذا، وقف الشاب أمام الجمهور وراح يقرأ من الذاكرة: «الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء... » مستخدمًا في ذلك أفضل أساليب الإلقاء، ومستعملاً لهجة الخطيب الفصيح. انتهى الشاب، وصفق له الناس بحرارة معجبين، وطلبوا إليه إعادة القراءة إذ أُخذوا بأسلوبه الفذ وصوته الجميل.
وجاء دور الشيخ فوقف بهدوء مستندًا على عصاه، وراح يتلو المزمور بصوته الضعيف: «الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء... ». تأثر الجمهور كثيرًا جدًا عندما سمعوا كلمات المزمور المباركة، وخيَّم عليهم في أثناء ذلك هدوء غريب، وكانت الدموع تملأ الأعين، وبدا كأنهم يصلّون في صمت وخشوع.
انتهى الشيخ من القراءة وجلس، والخشوع كان مهيمنًا على الجميع، عند ذاك عاد الشاب فوقف وقال: «أصدقائي، أود أن أوضِّح أمرًا هامًا، طلبتم إليَّ، عندما سمعتم قراءتي، أن أعيد الكَرّة وأقرأ لكم المزمور ثانية، وعندما قرأ أخي الشيخ المزمور ذاته تأثرتم جدًا حتى أنكم لم تستطيعوا الكلام وتسمرتم في مقاعدكم ولم يُبدِ أحد حراكًا. وبالتأكيد فإن السؤال يفرض نفسه: ما الفرق؟ فأقول لكم: إن الفرق أني أعرف المزمور، أما أخي فيعرف الراعي».
أحبائي.. إن هذا الشيخ المختبر للرب الراعي، قبل أن يعرف الراعي عُرف من الراعي، فالراعي يعرف خرافه واحدًا واحدًا ويعتني بها ويهديها ويحفظها.