س: عندما أشعر بالظلم، سواء وقع عليَّ أو على غيري، أشعر برغبة شديدة في الانتقام. ربما لا يمكنني الانتقام، لأسباب متعددة، لكنني أعتقد أنه لو أزيلت هذه الأسباب سأنتقم بشدة. وهذه الرغبة تظل مُلِّحة لفترة طويلة وتجعل كياني كله مضطربًا. فهل ما أشعر به خطية؟ وكيف أتصرف في ظرف مثل هذا؟
ج: العالم الذي نعيش فيه يمتلئ بالظلم، فأنت ترى الظلم في كل مكان: في المدرسة، في الكلية، في العمل في الشارع، على مستوى الكبار وأيضًا على مستوى الصغار. فالقوي يظلم الضعيف، والقادر يظلم العاجز. وكل ما في العالم مطبوع بطابع الظلم، بما في ذلك المال الذي يستخدم ويوزع بطريقة ظالمة فيُسمى «مال الظلم». والناس الذين من المفروض أن يقيموا العدل ويمارسوه اتصفوا بالظلم، فالوكيل سُمّي «وكيل الظلم»، والقاضي سُمّي «قاضي الظلم» (لوقا 16 :8-12؛ 18 :6).
والظلم لا بد أن يُنشئ غضبًا وغيظًا، فهذا هو رد الفعل الإنساني الطبيعي، سواء في المظلوم، أو في من يرى الظلم بعينيه؛ وهو الذي يجعل الشخص يرغب في الانتقام من الظالم. والطبيعة البشرية تجد في الانتقام لذّة كبرى، بل وتجد فيه علاجًا للغيظ الداخلي. وأحيانًا الجسد يستغل الغضب ليتمادى في رغبة إيذاء الآخرين والتشفي فيهم بحجة الانتقام. ولكن الانتقام الصحيح يحتاج إلى ميزان عادل، ليُجازى الظالم بما يتناسب مع ظلمه والمذنب قدر ذنبه.
والله يعلِّمنا، نحن المؤمنين، بوضوح، أن نترك مسألة الانتقام له تمامًا «لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء... لأنه مكتوب: لي النقمة أنا أجازي يقول الرب» (رومية12 :19 ). وقد يحدث، طبقًا لسياسته على الأرض، أن ينتقم هنا في هذا الزمان، أو يستمر في صبره ويؤجل الانتقام إلى «يوم الانتقام»، أو قد يتوب الظالم فيسامحه أبديًا وزمنيًا. فوقت الانتقام، وطريقته، ومكانه، وكميته، كل هذه متروكة للرب تمامًا.
كما أنه، بالنسبة للعالم، لم يعطِ الله تصريحًا لجميع الناس بالانتقام، وإلا تحول العالم إلى غابة: الكبير فيها يأكل الصغير. ولكنه أعطى سلطة الانتقام لأناس محدَّدين، حسب ترتيبه هو للسلطات على الأرض، فمثلاً نقرأ أن السلطان (الملك أو الرئيس) «خادم الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشر» (رومية13 :4)، وكذلك عن الملك والولاة أنهم مرسلون من الله «للانتقام من فاعلي الشر» (1بطرس 2: 13، 14).
عندما تجتاحنا نحن المؤمنين مشاعر الغضب والغيظ، نتيجة الظلم، والتي تطالب بالانتقام والتشفي؛ علينا أن نتذكر الآتي:
* لا نستغرب، ولا نلوم أنفسنا، لأن هذا رد فعل إنساني طبيعي، لأن الظلم مثير؛ ولكن لنكن حذرين لأن التمادي في الغضب يقرِّبنا من الخطية «اغضبوا ولا تخطئوا» (أفسس 4 :26). لذلك في شركتنا مع الرب، نتعلم أن نُعطي مكانًا للغضب ليعبر، متذكرين أن النقمة للرب فقط.
* لا ننسي أن الرب في السماء يري الظلم بتفاصيله، ويقدِّر مشاعر المظلوم المتألمة «إن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد، فلا ترتع من الأمر؛ لأن فوق العالي عاليًا يلاحظ والأعلى فوقهما» (جامعة 5 :8). إن هذا يطمئنا أن الله يرى كل شيء، وهو أعلى سلطة على الإطلاق.
* إن يوم الانتقام لم يأتِ بعد. والفترة الزمنية الحالية هي «سنة الرب المقبولة» (إشعياء61: 2)، زمان النعمة الذي يتسع فيه قلب الله بالصفح والغفران، ويقبل كل تائب راجع، مهما كان ظالمًا، بطول أناة بلا حدود. ونتذكر أيضًا أننا في زمن صبر المسيح؛ وأن المؤمن، في صبره على الانتقام، يشارك المسيح الذي ظُلِم على الأرض «أما هو فتذلل ولم يفتح فاه» (إشعياء 53 :7). ولكي نعرف حدود هذا الصبر وطول الأناة، لننظر ماذا طلب المسيح لصالبيه وهو على الصليب، لم يطلب الانتقام بل الصفح «يا أبتاه أغفر لهم» (لوقا 23 : 34).
* إن احتمال الظلم هو سِمة مميِّزة للمؤمن المسيحي. والمؤمنون ينبغي أن يتسلحوا بنية أن يُظلموا وأن يُسلبوا «لماذا لا تُظْلَمُون بالحري؟ لماذا لا تُسلَبون؟» (1كورنثوس 6: 7) وأيضًا «لأن هذا فضل إن كان أحد... يحتمل أحزانًا متألمًا بالظلم» (1بطرس2: 19).
* في بعض الأحيان، عندما نعجز عن احتمال الظلم، لأن طاقتنا قد استُنفِذَت، لا مانع من أن نرفع الأمر لصاحب السلطة الذي أقامه الله على الأرض، لأنه «لا يَحْمِلُ السيف عبثًا» (رومية13: 4)؛ فالله أقامه لهذه المهمة: مثل رفع الأمر في المدرسة لمدير المدرسة مثلاً فهذا قد يهدئ روعنا.
* إذا سمح الله لنا بشيء من الظلم، فلنوقن أن هذا جزء من معاملات الله معنا لتدريبنا، لأن «الضيق ينشئ صبرًا» (رومية 5: 3)، ليبطل تعلقنا بالأرض وما فيها وليزداد تمسكنا بالأمور الأبدية، ولنرتمي عليه ونمسك به.