تكلمنا في العدد السابق عن كلمة الله الحية، الكتاب المقدس، وعدّدنا بعض نواحِ تفرده، وناقشنا تفرده في وحدة موضوعه، ونتقدم هنا الي النقطه الثانيه وهي أنه:
فريد في بقائه
فإذا كان الله قد أعطى البشر منذ القديم هذا الكتاب المقدس فبالضرورة أن الله استطاع عبر كل الأجيال والعصور أن يحافظ على كلمته التي أعطاها للإنسان، ولقد أكد المسيح ذلك قائلاً: «الحق أقول لكم، إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس» (متى5: 18).
وما أصعب التحديات التي واجهت الكتاب المقدس لكنه:
بقي خلال الزمن.
و بقي رغم الاضطهاد.
وصمد إزاء النقد ومحاولات التشكيك
فالكتاب المقدس فريد في
بقائه خلال الزمن
ذكرنا في المقال السابق أن كتابة الكتاب المقدس قد استغرقت فترة 1600 سنة، فقد كتب موسى أسفاره قبل الميلاد بـ1500 سنة، وكتب يوحنا الحبيب إنجيله حوالي 90 ميلادية، أي أن عمر الكتاب الآن حوالي 3500سنة.
وقد كُتب الكتاب على مواد قابلة للفناء، فقد كُتب على:
ورق البردي: الذي ترجع أقدم أنواعه إلى سنة2400 قبل الميلاد، ولا تستطيع المخطوطات المصنوعة من ورق البردي أن تعمِّر كثيرًا إلا إذا كانت محفوظة في أماكن جافة كصحاري مصر أو وادي قمران حيث اكتُشفت مخطوطات البحر الميت. وقد استمر استعمال البردي في الكتابة حتى القرن الثالث الميلادي.
الرقوق: وهي من جلود الماعز والأغنام والغزلان والحيوانات الأخرى، بعد نزع الشعر منها وتجهيزها ليمكن الكتابة عليها. وأحد أشهر الرقوق هو الرق الذي يصنع من جلد العجل الذي يُصبغ باللون الأرجواني ويُكتب عليه باللون الذهبي أو الفضي، وتوجد مخطوطات من هذا النوع من عام 1500 ق.م.
ولكن على الرغم من عمره الطويل، وعلى الرغم من أنه كُتب على مواد قابلة للفناء، إلا أنه بقي إلى يومنا هذا بكل صمود.
وكان الكتاب يُنسخ بخط اليد، على مدى المئات من السنين قبل اختراع الطباعة؛ لكن هذا لم يغير من أسلوبه، أو ينقص من دقته وصحته، أو يؤثر في بقائه. ويوجد للكتاب المقدس مخطوطات قديمة أكثر من أي كتاب قديم آخر، بل لقد قال أحد الكُتاب: "توجد اليوم مخطوطات قديمة للكتاب المقدس تزيد عن المخطوطات الموجودة لعشرة كتب من الروائع القديمة مجتمعة معًا"، حيث توجد 24600 مخطوطة للكتاب المقدس، أو لأجزاء منه؛ تشهد كلها على بقائه، وصحته، ودقته.
وقد قال أحد الدارسين: "لقد حافظ اليهود على مخطوطات الكتاب كما لم يحدث لأي مخطوطة أخرى، لقد حافظوا على عدد وشكل كل حرف ومقطع وكلمة وفقرة. وكانت عندهم طبقة خاصة من الناس متخصصين في نسخ هذه المخطوطات بكل أمانة ودقة، هم جماعة الكتبة. أما عن العهد الجديد فعندنا 13 ألف مخطوطة كاملة أو ناقصة، باليونانية وبلغات أخرى، و لم يحدث لأي عمل قديم أن لقي هذا الاهتمام أو الحفظ".
وقد قام أحد الدارسين بدراسة شيّقة، بناء على سؤال جدلي افترضه، وهو: "ماذا لو فُقدت مخطوطات العهد الجديد كلها؟". والنتيجة التي توصَّل اليها أنه يمكن تجميع كل العهد الجديد مرة أخرى ما عدا 11 آية، وذلك من كتابات آباء الكنيسة في القرنين الثالث والرابع الميلاديين. لقد بقي الكتاب المقدس رغم الزمن، وهو جديد اليوم كما كان في وقت كتابته.
«إلي الأبد يا رب كلمتك مثبَّتة في السماوات» (مزمور 119 :89).
وإلي لقاء جديد.