*أظنك متشوق لإكمال حديثنا عن التأثير والتأثر بالآخرين.
(هكذا افتتح الشيخ حديثه مع صديقه الشاب).
- بكل تأكيد.
* ولعلك تذكر أننا تكلمنا عن العلاقة بفريقين من الناس: أولهما من ألتقي بهم عرضًا، وثانيهما الذين تضعهم الظروف في طريقي.
- طبعًا أذكر، فأنا لا أنسى أي حديث دار بيننا.
* حسنًا، لنبدأ اليوم حديثنا عن أعمق وأخطر تأثير في علاقاتي بالآخرين، وأقصد به الصداقة.
- أخشى أن تقول لي إنني لست في احتياج لأن تكون لي صداقات.
* مهلاً يا صديقي، ودعك من الاحتداد. بالطبع لن أقول لك ذلك، فالصداقة احتياج نفسي طبيعي للإنسان، لها أهميتها الواضحة، كما أن افتقادها هو أمر مؤلم للغاية، ولذا فقد صرخ صاحب المزمور وهو يعدد أسباب معاناته فقال: «أبعدت عني مُحبًّا وصاحبًا» (مزمور88: 18). كذلك يوصي الحكيم بالقول «لا تترك صديقك وصديق أبيك» (أمثال 27: 10)، وأعتقد أن في ذلك تصريحًا واضحًا بأهمية الصداقة.
- لأول مرة ألتفت إلى اهتمام الكتاب المقدس بالصداقة.
* بل دعني أؤكد هذه الفكرة بأن أذكّرك بأن الكتاب المقدس استخدم التعبيرات التي تدل على الصداقة؛ مثل: «صاحب» و«خليل»، للتعبير عن علاقة الرب الحبّية بقديسيه (انظر مثلاً خروج 33: 11؛ 2أخبار 20: 7؛ نشيد5: 16).
- أ لهذه الدرجة يعطي الكتاب أهمية للصداقة؟!
* نعم، فمن الكتاب نعرف أن للصديق دورًا في حياتي بكل ظروفها: في الحزن (أيوب 2: 11)، وفي الفرح (لوقا15 :6، 9 ؛ يوحنا3: 29). ويتوقع الكتاب مستوى مثاليًا من الصديق نحو صديقه إذ يقول «الصديق يحب في كل وقت» (أمثال 17: 17).
- إنك تذكِّرني بقول قرأته لأرسطو عن الصداقة يقول: "الصديق هو من يعيش معك ويتحد وإياك في الأذواق، والذي تسره مسرتك وتحزنه أحزانك".
* هذا صحيح، وقد أكمل أرسطو قوله بالآتي: "تقوم الصداقة على المعاشرة والتشابه والمشاركة الوجدانية". ولذا كان للصديق أعمق الأثر فيَّ. لذلك يحذرنا الكتاب بكل قوة «لا تضلوا، فإن المعاشرات الرديّة تفسد الأخلاق الجيدة» (1كورنثوس 15: 33)، فبسبب طول الزمن لا بد لي أن أتأثر بسوء سلوك أو فساد معتقد من أعاشره.
- أعتقد أنه يمكنني أن أحفظ نفسي، بل وأن أؤثر أنا تأثيرًا صحيًا في صديقي.
* دعني أحكي لك مثلاً قديمًا، لا أمِلّ من تكراره: ما رأيك إذا أتينا بسَلّة مملوة ببرتقال من أجود الأصناف، ثم وضعنا فيها برتقالة واحدة فاسدة وتركناها للصباح؛ هل تتوقع أن يصلح البرتقال السليم البرتقالة الفاسدة؟
- العكس، سيفسَد كل البرتقال بسبب الواحدة الفاسدة.
* تمام كما أن المريض يمكنه أن ينقل العدوي للصحيح في حين أن الصحيح لا يستطيع أن ينقل الصحة للمريض؛ وقد أكّد الكتاب أن «خاطئ واحد فيفسد خيرًا جزيلا» (جامعة 9: 18)، فتأثير الشر سريع الانتشار وواسع الأثر.
- وهل تأثير الصداقة بالضرورة يكون سلبيًا؟!
* الكتاب، في آية واحدة، هي أمثال 13: 20، يوضِّح لنا عمق تأثير الصداقة إيجابيًا بقوله «المساير الحكماء يصير حكيمًا»، ولا يغفل الناحية السلبية فيقول إن «رفيق الجُهَّال يُضَرّ».
- من فضلك أعطني أمثلة عن تأثير الصداقات.
* في ذهني مثلان، واحد منهما هو تأثير أصدقاء رحبعام بن سليمان. لقد كان عليه أن يتخذ قرارًا مصيريًا، يتوقف عليه مستقبل مملكة بالكامل، وقد ظهر تأثير رفقائه، بطيشهم، في رحبعام، مما ساقه إلى اتخاذ قراره، متأثِّرًا بآرائهم وطريقة حياتهم، دون أن يستقي أي شيء من حكمة أبيه. وقد أدى هذا القرار إلى انقسام مملكته عنه وخسارته لمعظمها (اقرأ القصة بالكامل في 1ملوك12).
- والمثل الثاني؟
* هو لأمنون، ابن داود، الذي كان له صاحب فاسد اسمه يوناداب بن شمعي، قاده إلى السقوط في خطية شنيعة (اقرأ 2صموئيل13). ولك أيضًا أن ترجع إلى تأثيرات الصداقة من أقوال الحكيم في سفر الأمثال 11: 9؛ 16: 29؛ 29: 5.
- يا له من تأثير شديد!
* لذا وجب عليَّ أن أحسن اختيار صديقي، وأن أتعلم كيف أمارس الصداقة بطريقة سليمة، وفي حدود أضعها لها بحيث لا تتخطاها وتسبب لي غير ما أرجو.
- قل لي كيف.
* مهلاً يا صديقي، فالوقت قد حان لكي يترك كل منا الآخر، ولكن على أمل اللقاء بنعمة الرب.