جاءت أحداث 11 سبتمبر مفاجئة.. وغير متوقعة.. وغير مُبرَّرة .. وغير مفهومة... وحين استرد العالم توازنه من الصدمة، كان كل شيء قد تغيَّر في نفوس الناس، وطار الإحساس بالأمان من قلوبهم مثل طائر أفزعه طلق ناري.. وصار هناك فزع وهلع من شرٍّ مُنتَظَر.. وصار يُغشى على الناس من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة.. وصار الكل يتساءل: متى نستعيد الإحساس بالأمان؟! عِلماً بأن فقدان الإحساس بالأمان سهل، بينما بناؤه أصعب بكثير.
وبالرغم من أننا لسنا نعلم على أي وجه ستسير الأمور، ولكني أعلم، علم اليقين، أن لنا إلهاً أميناً يمكن أن يعمل أعمالاً عظيمة، وأعلم أن أقل واحد بين شعب الله إنما هو في أمان إلى الأبد، وأعلم أنه لا يمكن أن نوجد في ظروف يعجز المسيح عن مواجهتها. وسواء كنا أفراداً أو جماعة، لا يمكن أن نوجد في مكان أو زمان لا يكون المسيح كفواً له. وإني لا أعرف كلمة تبعث استقراراً في النفس مثل القول العظيم «أمين هو الله» (1كورنثوس1: 9)...
فيا أخي المؤمن لا تخف.. لا تهتم بشيء.. لا تضطرب ولا ترهب.. ما عليك إلا النظر إلى الرب والتفكير في أمانته، مع الثقة القلبية المطلقة فيه، فإن من يتمسك بأمانة الله لن يتخاذل أو يرتجف، بل سيكون مستعداً لكل مفاجأة، وسيتمكن من مواجهة كل صعوبة وخطر، بكل هدوء وثقة. وأمانة الله، هي صِدقه غير المتغير، ووفاؤه الدائم لمواعيده (تك32: 9 ،10). وهي أساس الثقة الوطيدة في الله؛ فلأن الله صادق، ولأنه ثابت وأمين في حفظ مواعيده؛ لهذا فهو جدير بالثقة.
وأمانة الله الثابتة غير المتغيرة أمر يؤكده العهد القديم لتثبيت الثقة في الله، في آيات صريحة تؤكد أنه «إله أمانة لا جور فيه» (تثنية32: 4؛ 7: 9... إلخ). وبالإضافة إلى ذلك فإن الأمانة تُنسَب إلى الله في آيات لا تُذكَر فيها الكلمات الدالة على الأمانة صراحة: فهي مُتضَمَنة في:
1- اسم العهد «يهوه» كما يعلنه سفر الخروج (خروج3: 13-15). فهذا الاسم لا يُعبِّر فقط عن دوام وجود الله الذاتي وعدم تغيره، بل أيضاً عدم تغير الله بالارتباط مع مواعيده الكريمة التي لابد أن يتممها.
2- أمانة الله وعدم تغيره تتضمنها الآيات التي تتحدث عن الله بأنه «الصخر»، باعتباره الأساس المضمون الأكيد للاتكال عليه (تثنية32: 4 ،15؛ مزمور18: 2؛ 42: 9... إلخ). فلا تخف يا أخي المؤمن.. إنك في أمان أبدي داخل صخر الدهور. إننا ضعفاء في ذواتنا إلا أن مكاننا في الصخر في غاية القوة؛ فلنا في المسيح ملجأ أمين لا يقربه عدو ولا تدنو منه دينونة (أمثال30: 26).
3- أمانة الله يتضمنها إعلان الله نفسه لموسى وللشعب باعتباره «إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب» إله أبائهم (خروج3: 6، 15 ،16). والحق المُعلَّن هنا يختص بالله، ليس هو أنه يقف موقفاً كريماً من الآباء فحسب، لكنه أيضاً أمين لوعوده الكريمة غير المشروطة التي أُعطيت لآبائهم، وكما كان مع آبائهم، فإنه سيظل كذلك لموسى ولشعبه.
ويؤكد العهد الجديد على أمانة الله لمواعيده الكريمة كأساس الثقة الوطيدة في الله؛ ففي رسالة رومية يؤكد الرسول بولس على أمانة الله التي لا يمكن أن يبطلها عدم أمانة البشر أو عدم إيمانهم (رومية3: 3 ، 4 قارن تثنية32: 20).
فبالرغم من الحقيقة الدامغة أن الناس غير أمناء، فإن أمانة الله تتأكد بشدة، حتى وإن ثبت أن كل إنسان عديم الأمانة والصدق. ليس هذا فقط، بل إن عدم أمانة البشر يعطي الفرصة لإظهار أمانة الله بقوة لمجده (رومية3: 7).
ويقين الرسول بولس من أن الله سيبقى أميناً على الرغم من عدم أمانة الناس، إنما يرتكز على حقيقة أن الله لا يمكن أن ينكر نفسه (2تيموثاوس2: 13). فأمانة الله مؤسَّسة على ذات طبيعته غير المتغيرة.
والكلمة العبرية التي تصف أمانة الله تُستخدم للتعبير عن:
1- الطفل المحمول في الحضن (عدد11: 12؛ إشعياء49: 23؛ 60: 4... إلخ).
2- البيت الراسخ الأساس (1صموئيل2: 35؛ 7: 11).
3- المملكة الراسخة (2صموئيل7: 16).
4- القلب الأمين المطمئن (نحميا9: 8).
وهكذا أيها الأحباء.. فلأن الله «أمين» فنحن «آمنون».
هكذا تستريح النفس على الإيمان الحقيقي بالله والثقة فيه نتيجة لمعرفة صفاته، هذا ما يدعم ثقتنا الكاملة فيه. لذا ليأتِ أي حال مهما كان، فنحن متأكدون أنه لا يوجد شيء يفصلنا عن محبته. ربما تبدو لنا الأمور معاكسة، ونُصاب بالحيرة والارتباك إزاءها، رغم هذا يستمر القلب الذي يعرف الرب، ويعرف ثبات صفاته، مطمئناً واثقاً «الساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت. أقول للرب ملجأي وحصني إلهي فأتكل عليه. لأنه ينجيك من فخ الصياد ومن الوبإ الخطر بخوافيه يظللك وتحت أجنحته تحتمي» (مزمور91). ليت لنا هذه الثقة الكاملة في إلهنا.