الجمرة الخبيثة و الجمرة الشافية
ظهر في شهر أكتوبر الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية مرض الجمرة الخبيثة، وهو مرض تسببه عصيات بكتيرية جرثومية تسمى «انثراكس»، وهي كلمة مقتبسة من اليونانية من كلمة الفحم، نظراً للتقرحات الجلدية السوداء التي تنتج عند إصابة الجلد به.
ونادراً ما يصيب هذا المرض البشر، حيث أنه في الغالب يصيب الماشيه عند تناولها حويصلات البكتريا الموجودة بكثرة في التربة. ويصاب الإنسان بحويصلات الجمرة الخبيثة من خلال جرح في الجلد أو عن طريق تناول اللحوم الملوثه بالمرض أو بإستنشاق الحويصلات بأعداد كبيرة تصل إلى عشرة آلاف حويصلة.
وأعراض المرض تختلف حسب نوعه، سواء كان جمرة جلدية أو جمرة معوية أو جمرة رئوية. وإذا لم يُعَالَج بسرعة بالمضادات الحيوية، فقد يؤدي لحدوث الوفاة، وهذا ما حدث في أمريكا حيث تعرض البعض للإصابة به ومات خمسة حتى تاريخ كتابة هذه المقالة.
ولقد سبّب هذا حالة من الخوف والفزع لدى عامة الشعب الأمريكي، بعد وصول خطابات لكثيرين تحمل مسحوقاً لونه أبيض به البكتريا القاتلة.
ولكن شكراً للرب؛ فإن الكتاب المقدس يتكلم عن جمرة أخرى، ليست قاتلة، بل شافية، مذكورة في الأصحاح السادس من نبوة إشعياء. وقد حدث هذا في سنة وفاة الملك عُزّيا، الذي كان يحكم شعب الله في القديم، وعند موته تعرض إشعياء النبي لهزة عنيفة، لكنه رفع نظره لأعلى، فرأى المسيح - له المجد - جالساً على كرسي عالٍ ومرتفع، وأذياله تملأ الهيكل، والملائكة السرافيم واقفون فوقه، لكل واحد ستة أجنحة، وهذا نادي ذاك «قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض».
أخي.. أختي.. قد تتعرض لهزات عنيفة في حياتك مثل غياب الأحباء أو الأتقياء، لكن لا تفشل.. ارفع نظرك لأعلى فترى المسيح - له المجد - مهتماً بك ومشجِّعاً لك.
وأمام قداسة الله نشعر فوراً بحالتنا الرديئة ونجاستنا، لذلك قال إشعياء «ويل لي إني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين (إعلان عن نجاسة القلب)، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عينيَّ قد رأتا الملك رب الجنود». وهذا ما فعله بطرس بعد معجزة صيد السمك الكثير جداً، إذ خَرّ عند ركبتي يسوع قائلاً: «اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ» (لوقا 5: 8).
لقد كان إشعياء في الأصحاحات الخمس الأولى من نبوته يعلن الويلات إذ قال «ويل للأمة الخاطئة ... ويل للشرير»، وكرر كلمة ويل كثيراً. ولكن عندما رأى الله القدوس قال «ويل لي». وجميل أن نعترف بحالتنا ورداءتنا ونجاستنا. فإن الرب في محبته ونعمته يعالحنا «إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهِّرنا من كل إثم» (يوحنا الأولى1: 9).
لقد جاء العلاج سريعاً، إذ طار إلى إشعياء واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح. والمذبح إشارة إلى الصليب، والجمرة المأخوذة من على المذبح إشارة إلى الرب يسوع الذي عُلِّق على الصليب وذُبح من أجلنا وشوى بنيران عدالة الله «مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحُبره (جراحاته) شفينا» (إشعياء 53: 5).
لقد مسّ بالجمرة فمه وقال له «إن هذه قد مسّت شفتيك فانتُزع إثمك وكُفِّر عن خطيتك». كان العلاج الشافي في هذه الجمرة المتقدة على المذبح، والعلاج الوحيد لمشكلة الإنسان هو المسيح - له المجد - الذي «ليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء، قد أُعطي بين الناس، به ينبغي أن نخلص» (أعمال4: 12). لقد قال الرب يسوع «أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي» (يوحنا14: 6). فكل خاطئ أثيم يأتي إلى المسيح بالتوبة والإيمان القلبي، يخلص، ويتطهر من خطاياه بدم المسيح. وكل مؤمن حقيقي ضل الطريق، يأتي أيضاً إليه معترفاً بخطاياه، تُرَدّ شركته مع الله.
كانت الجمرة مؤلمة عندما وُضعت على فم إشعياء، وهكذا عندما نعترف بخطايانا وحالتنا أمام الرب، يكون الأمر مؤلماً، ونحتاج إلى اتضاع، فنتطهر من كل دنس. لقد بكت المرأة الخاطئة عند قدمي الرب، وغسلت رجليه بالدموع، فتمتعت بغفران خطاياها وخلصت. وبعد هزيمة بني إسرائيل أمام عاي، بسبب شرٍّ وُجد وسطهم، نرى يشوع رجل الله قد مزّق ثيابه وسقط على وجهه إلى الأرض أمام تابوت الرب إلى المساء هو وشيوخ إسرائيل، ووضعوا تراباً على رؤوسهم، ثم صلى يشوع، وبعد نزع الشر تحققت النصرة. لذلك فليعطنا الرب أن نفحص طرقنا ونرجع إلى الرب. لنرفع قلوبنا وأيدينا إلي الله في السماوات.
وبعد أن تمتع إشعياء بلمسة تلك الجمرة الشافية لفمه، جاء صوت السيد قائلاً: «من أُرسل ومن يذهب من أجلنا»، فقال «ها أنذا أرسلني». وأنت إذا أردت أن يستخدمك الرب، فلا بد من العلاج أولاً بالجمرة الشافية.
كان إشعياء يقول قبلاً «اسمعوا كلام الرب... لذلك يقول السيد رب الجنود» (إشعياء1: 10 ،24). ولكن بعد أن مسّت الجمرة فمه تغيرت لغته فقال : «قال لي الرب» (إشعياء8: 1 ،5 ،11)، فلم تعد له فقط معرفة كتابية ينقلها للآخرين، بل إذ كلّمه الرب شخصياً، وتمتع بأقواله، فإنه يوصل تلك البركة لغيره. وهكذا نحتاج كمؤمنين إلى التمتع اليومي بكلمته وأن نشبع بها نحن أولاً قبل أن نعلنها للآخرين.