فجأة، وجد الشعب الأمريكي يوم الثلاثاء 11سبتمبر- نفسه أمام أكثر الأيام “دموية” في تاريخه الطويل. وملأ الرعب نفوس الملايين وهم يشاهدون العظمة الأمريكية تنهار أمام أعينهم، وهم جميعاً، بما فيهم قادة أجهزتهم، يقفون حيارى مشدوهين لا يعرفون ماذا يعملون، ولا إلى أين يفرون!!
ولم تكن الكارثة فقط في عدد الذين فُقدوا، وإنما تتمثل في أن الدولة المنفردة بحكم العالم لم يعد في استطاعتها حماية نفسها، وأن الشعب الأمريكي شعر بأن حكومته قد فشلت في الدفاع عنه مما أصابه بالصدمة الكبرى لانهيار ما ظل يؤمن به على مدى ثلاثة قرون بأنه في مأمن مما تتعرض له مختلف قارات العالم، فحتى خلال الحرب العالمية الثانية - أكثر الحروب تدميراً - لم تتعرض أمريكا لأي تهديد داخلي. وكان واضحاً أن الولايات المتحدة الأمريكية وجدت نفسها في مفارقة هائلة: القوة العظمى الوحيدة في العالم، والتي تسعى إلى إقامة نظام دفاعي ضد الصواريخ التي يمكن أن تطلقها الدول الخارجية، لم تسطع حماية رمز هيبتها العسكرية (البنتاجون) ولا رمز مكانتها العالمية (مبنى مركز التجارة العالمي) من هجمات انتحارية قام بها نفر قليل.
ولكن يا لغبطة لنا، نحن المؤمنين، إذ أن «رب الجنود معنا ملجأنا إله يعقوب» (مزمور46: 11). والأمان الذي نجده في شخص ربنا المبارك في جميع ضيقاتنا، وصعوباتنا، وآلامنا، وأحزاننا، ومخاوفنا فهو صخرة وحصن، ترس ومجن، ملجأ ومخبأ، وعون لجميع الذين لهم الثقة الكاملة فيه وفي صلاحه «ما أكرم رحمتك يا الله، فبنو البشر في ظل جناحيك يحتمون» (مزمور36: 7). ولا شك أن الرب يعرف ما يخيف قلوبنا، ويعرف أيضاً جبلتنا ومن نحن، وهو الضامن لجميع قديسيه في مختلف ظروف حياتهم، ومحبة المسيح كفيلة بأن تطرد كل خوف، وتعطي لقلوبنا الشجاعة والقوة إزاء كل صعوبات الحياة.
وإني لا أعرف كلمة تبعث استقراراً في النفس مثل القول العظيم «أمين هو الله» (1كورنثوس1: 9). فأمانة الله هي صوته غير المتغير، ووفاؤه الدائم لمواعيده، وهي أساس جدير بالثقة. ولأن الله آمين فنحن آمنون فلنا فيه ملجأ أميناً لا يقربه عدو ولا تدنو منه ضربة دينونة.
وأمانة الله تتجلى في أن:
* أمانة الله هي أساس اليقين بأن الله سيحفظ المؤمنين في التجربة «لكن الله أمين الذي لا يدعكم تُجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضاً المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا» (1كورنثوس10: 13)، فالرب «يعرف جبلتنا» (مزمور103: 14). ولا يمكن أن يحمِّلنا فوق طاقاتنا، إذا دعت الضرورة فهو يجزل لنا النعمة (2كورنثوس12: 9 ،10). و«يعطي المعييَ قدرة ولعديم القوة يُكثر شدة» (إشعياء40: 29).
* وأمانة الله تتجلى أيضاً في علاقة الله كالخالق بالإنسان، والتي يجعلها الرسول بطرس أساس التعزية في وقت الاضطهاد والآلام، فالذين يتألمون كمسيحيين بحسب مشيئة الله، عاملين الخير، لهم أن يستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين (1بطرس4: 19).
* ويؤكد لنا الرسول يوحنا أن أمانة الله وعدله يتجليان في غفرانه خطايانا «إن اعترافنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم» (1يوحنا1: 9). فهو أمين بمعنى أنه وعد بأن يغفر، وأنه سيثبت على وعده، كما أنه عادل حتى يغفر، لأنه وجد في عمل المسيح الكفاري على الصليب أساساً باراً وعادلاً للغفران. وهو لا يضمن الغفران فقط، بل يطهرنا من كل إثم أيضاً.
* ويُوصَف الرب يسوع المسيح بأنه «رئيس كهنة أمين»، «ومن ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء لكي يكون رحيماً ورئيس كهنة أميناً في ما لله حتى يكفِّر خطايا الشعب» (عبرانيين2 :17). إنه بقلب كامل يدخل إلى تجاربنا ويعيننا بالرحمة والأمانة. ونحن غالباً ما نظهر رحمة على حساب الأمانة، أو العكس، لكنه - تبارك اسمه - أظهر الرحمة دون أن يخل بالأمانة. وهو الآن، رئيس كهنة أمين؛ أمين في الإتيان إلينا بجميع هبات الله، بكل مشورة ومشيئة وبركات العلي، وهو أمين أيضاً في رفع جميع حاجاتنا وتجاربنا إلى الله، جميع آلامنا وجميع أعمالنا.
* ولأن الله أمين لوعده في المسيح، نستطيع نحن أن نقترب إليه متمسكين بإقرار الرجاء راسخاً فلا ندع شيئاً يزعزع ثقتنا فيما يتعلق بالمستقبل (عبرانيين10: 23). لقد كانت أمانة الله هي أساس إيمان سارة بأنها ستلد ابناً حتى بعد أن شاخت «إذ حسبت الذي وعد صادقاً» (عبرانيين11: 11). وعلينا نحن أيضاً أن نتمسك بإقرار الرجاء راسخاً، ولا ندع أي أمر يزعزع رجائنا الوحيد الذي هو في المسيح «لأن الذي وعد هو أمين» (عبرانيين10: 23). ووعوده لا يمكن أن تسقط أبداً، ولن يخزى كل من يثق به، فمخلِّصنا سيأتي كما وعد، وسنكون معه ومثله إلى الأبد.
* أمانة الله هي أساس دعوتنا - نحن المؤمنين - لنصبح شركاء ربنا يسوع المسيح في كل ما صار له نتيجة إكمال عمل الصليب (1كورنثوس1: 9). وإن كان الله قد تحمل كلفة غالية ليتمم ذلك، فإنه لن يسمح أبداً بأن نفلت من يديه، «أمين هو (الله) الذي يدعوكم الذي سيفعل أيضاً» (1تسالونيكي5: 24). ولسوف تظهر أمانة الله بصورة جلية حين يظهر جميع المؤمنين مع ربنا يسوع المسيح في المجد دون أن يُفقد منهم أحد.
* ورجاء الرسول للحياة الأبدية يستند إلى حقيقة أن الله المنزَّه عن الكذب قد وعد بها قبل الأزمنة الأزلية (تيطس1: 2)، وهذا الرجاء مؤكَّد ويقيني، لأن الله هو الذي وعد به، ولا شيء يقيني ككلمة من الله المنزه عن الكذب.
أيها الأحباء . . إن مواعيد الله مهما تعددت تجد إتمامها في المسيح وكل الذين يجدون فيه إتمام مواعيد الله يصادقون على ذلك قائلين: آمين. «أمين هو الله... لأن مهما كانت مواعيد الله فهو (المسيح) فيه النعم وفيه الآمين لمجد الله بواسطتنا» (كورنثوس الثانية1 :18 ،20).
ليت لنا هذه الثقة في إلهنا.