ما الذي يحدث؟!.. عشرات الكوارث تحدث في العالم: طائرات تنفجر وقطارات تحترق.. أبراج تنهار وعمارات تسقط.. زلازل مدمرة في عشرات الدول وسيول جارفة في غيرها.. براكين كانت خامدة فاشتعلت وزوابع وأعاصير تجتاح العديد من الدول.. وخَلَفَ كل من هذه الكوارث آلاف القتلى، كما أنها تحمل في طياتها صوتاً إلهياً منذراً..
أعادت هذه الكوارث إلى ذهني ذكرى كارثة مفجعة حدثت منذ مئات السنين، تحديداً في صباح 24 أغسطس عام 79م، في إحدى المدن على امتداد خليج نابولي تدعى «هركيلانيوم». في هذا اليوم كان الطقس صافياً والشمس مشرقة تبشِّر بيوم سعيد. وقد انهمك الجميع في تأدية أعمالهم اليومية بنشاط زائد، فها خباز البلدة «باتولكوس» يعرض فطائره الشهية، وها «أولوس» صاحب أكبر الحوانيت في المدينة يعدِّل من أوضاع بضائعه، وقد وانهمك أحد الصاغة في إصلاح شمعدان من البرونز، وانصرف الخياطون والعمال وأصحاب الحانات إلى أعمالهم.
كانت البلدة على أهبة الاستعداد، ففي هذا اليوم يجري إحتفال ضخم بمناسبة ذكرى مولد “أغسطس” أول إمبراطور على روما. وكان هناك آلاف الزوار الذين وفدوا إليها لمشاهدة المباريات التي ستجري في ميدان «باليسترا» الرياضي بهذه المناسبة، وكانت البهجة تعم الجميع.
وفجأة، عند الظهر، شعر الأهالي والزوار بهزة عنيفة، وسمعوا صوت انفجار مدوّي أعقبه صوت متواصل كقصف الرعد. وشاهد بعض الأهالي من شرق البلدة عموداً من الرماد الأبيض والزجاج البركاني ينطلق من قمة جبل “فيزوف” ويرتفع إلى عنان السماء إلى علو 26 كم، قبل أن ينفلت طرفه كجناحي نسر عملاق، حاجباً نور الشمس، ومحولاً ذلك النهار البديع إلى حمرة تنذر بالويل والثبور وعظائم الأمور.
على الرغم من ذلك، لم يغادر أحد البلدة، على الرغم من رائحة الكبريت التي انتشرت في الجو، إضافة إلى الانفجارات والارتجاجات. حتى الرماد الذي سقط على البلدة فلم يحملهم على الرحيل والنجاة.
بعد الظهر تدفق على هركيلانيوم سيل من اللاجئين من مدينة بومبي التي تبعد 11كم جنوباً، هاربين إلى مدينة نابولي شمالاً، وهم يروون قصصاً مهولة عن سمائهم التي أمطرت وابلاً من الرماد والخُفاف (زجاج بركاني). انضم بعض الأهالي إلى الجموع الهاربة طلباً للنجاة. وهرع الكثيرون إلى الشواطئ استعداداً للهرب في الزوارق عند حدوث الجديد.
وقد حدث الجديد بعد منتصف ليل 25 أغسطس، فقد هوى عمود من النار فجأة، وشاهد أهل هركيلانيوم، وقد انفجرت براكين ذعرهم، الصخور النارية والرماد المشتعل والغازات البركانية تندفع كالشلال في اتجاه المدينة بسرعة تزيد على 100 كم/الساعة، وبحرارة تزيد عن 400 درجة مئوية. حاول الناس الهرب ولكن..
فات أوان النجاة
عندما همد فيزوف أخيراً، بعد 10 ساعات متواصلة من الثورة، كانت هركيلانيوم ترزح تحت 20 متراً من الصخر الأسود الصلب، ودُفنت بومبي تحت ستة أمتار من الرماد. (نقلاً عن الـ Readers Digest الأمريكية). وقد وجد علماء الآثار بقايا البيوت والحوانيت كما هي، وقد حفظتها المادة البركانية من التحلل والفساد: وجدوا أماً تحتضن رضيعها محاولة إنقاذه، شاباً مريضاً على سريره بجواره طبيبه، وجدوا في مخبز باتولكوس ثمانين رغيفاً، وفي متجر أولكوس أقفاص الخضر والفاكهة، وظل الشمعدان البرونزي ينتظر من يصلحه.
والآن ماذا تحمل لنا هذه الكارثة القديمة من دروس وعِبر:
1) إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون
انتهز الرب يسوع فرصة الكارثة التي حدثت في سلوام لكي يحذِّر الجميع، مؤكِّداً لهم أن الكوارث لا تعني أن الذين حدثت لهم أسوأ من غيرهم أو أنهم مذنبون «أكثر من جميع الناس» (لوقا13: 4)؛ بل إنها تحمل في طياتها أمر الله بالتوبة لجميع الناس في كل مكان (أعمال17: 30).
2) مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي
ولنعلم أن دينونة الله على غير التائبين ليست مجرد غازات بركانية وصخور مشتعلة، إنها نار لا تُطفأ حرارتها أعلى بكثير من 400 درجة مئوية، وكثيراً ما حذر الرب من أهوال العذاب الأبدي (متى25: 30 ،41 ،46).
3) الآن إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم
لم يتصرف أهالي هركيولانيوم بحكمة، ولم يستجيبوا للإنذار: ظل البعض في منازلهم مستهينين، بالخطر. وهرب البعض إلى الشواطئ معتقدين أنه سيمكنهم الهرب في الوقت المناسب ولم يمهلهم البركان؛ فقد وُجدت عشرات الهياكل الآدمية مدفونة تحت القناطر الحجرية التي ارتكزت عليه مباني الواجهة المائية على جرف مطل على البحر. لا تؤجل يا صديق.. فقد تُطلب نفسك اليوم منك (لوقا12: 20)، أو قد يأتي الرب في لحظة لا تعرفها وتُترك هنا ليباغتك الهلاك فلا تنجو (1تسالونيكي5: 3).
أوعى تأجل
مين هيجيب لك عمرك تاني
أوعى تأجل
مين راح يضمن عمره ثواني
4) إنسان في كرامة ولا يفهم يشبه البهائم
فاقت الحيوانات الإنسان فهماً، فلم يجد علماء الآثار أي حيوان نافق، فقد هربت جميع الحيوانات عندما شعرت بمقدمات البركان من انفجارات ورائحة كبريت، وظل الناس مؤجلين لا يدركون خطورة الموقف حتى أدركهم الهلاك. وما أشبه هؤلاء بالناس في أيامنا، ولمثل هؤلاء نوجِّه النداء «أم تستهين بغنى لطف (الله) وإمهاله وطول أناته؟ غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة. ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضباً في يوم الغضب» (رومية2: 4- 5).