آنا خائف الرب
عبارة قالها يوسف لإخوته عندما أتوا إليه عندما كان في مصر مُسلَّطاً على الأرض (تكوين42).
ويجب أن نلاحظ أن هناك فرقاً كبيراً بين إنسان خائف من الله وآخر خائف الله. فالخائف من الله هو الخاطئ الذي يرتعب من الله كالديان، فآدم عندما أخطأ وأكل من شجرة معرفة الخير والشر خاف من صوت الرب الإله واختبأ في وسط شجر الجنة. أما الخائف الله فهو الذي يقدِّر الله ويحترمه ويطيعه.
بحق كان يوسف رجلاً يخاف الله وهذا ما نراه في عدة أمور:
1- كراهيته للشر: فعندما كان يرعى مع إخوته الغنم وهو غلام، أتى بنميمتهم الرديئة إلى أبيه، فكان منفصلاً عن شر إخوته. وعندما بيع عبداً وذهب إلى بيت فوطيفار نراه أيضاً منفصلاً عن شر زوجة فوطيفار التي كانت تكلمه يوماً فيوماً، لكن كان قوله: «كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟» (تكوين39: 9). وعندما أمسكته بثوبه قائلة اضطجع معي، ترك ثوبه في يدها وهرب وخرج إلى خارج. لقد فعل ما قاله الحكيم «في مخافة الرب الحيدان عن الشر»، وأيضاً «السالك بإستقامته يتقي الرب» (أمثال14: 2؛ 16: 6)، أي أن البرهان على التقوى ومخافة الرب هو السلوك بالاستقامة وحياة القداسة العملية وليس مجرد كلام الشفتين.
2- طاعته لأبيه: إذ عندما مضى إخوته ليرعوا غنم أبيهم عند شكيم، قال له أبوه «تعال فأرسلك إليهم... اذهب انظر سلامة إخوتك وسلامة الغنم ورُدّ لي خبراً»، فأطاع يوسف وذهب، وكانت طاعته مرتبطة بالتعب والتضحية، وأيضاً بالأمانة لأنه عندما لم يجدهم في شكيم ذهب وراءهم حتى وجدهم في دوثان.
3- محبته لإخوته رغم عدواتهم لقد أبغضوه بسبب محبة أبيه له أكثر من جميع إخوته، وازدادوا أيضاً بغضاً له بسبب أحلامه، وحسدوه؛ لكنه في محبة لهم سأل عن سلامتهم. استهزأوا به ثم خلعوا عنه قميصه الملون وطرحوه في البئر، ثم باعوه للإسماعيليين الذين أتوا به إلى مصر، لكنه وهو في السجن لم يتكلم بالسوء على إخوته بل قال: «لأني قد سُرقت من أرض العبرانيين»، لقد كانت له أدبيات رائعة إذ في «مخافة الرب أدب وحكمة» (أمثال 15: 33). وبعد أن صار عظيماً في مصر ومُسلطاً على الأرض، أتى إخوته إليه، فلم ينتقم منهم، مع أنه كان في مركز القوة وهم ضعفاء، لكنه أعطاهم قمحاً ورَدّ لهم الفضة، وأعطى لهم زاداً للطريق. ثم في النهاية أتي بهم إلى مصر وأسكنهم في أفضل بقعة في الأرض، وعالهم بالطعام. لقد قابل شرهم بالإحسان وبغضتهم بالمحبة.
4- خدمته الأمينة في بيت أبيه كان يرعى الغنم مع إخوته، وفي بيت فوطيفار خدم بأمانة حتى وكّله على بيته ودفع إلى يده كل ما كان له. وخدم في بيت السجن حتى دفع رئيس بيت السجن إلى يوسف جميع الأسرى. وخدم فرعون إذ فسر له الحلم ثم جمع كل طعام سني الشبع، وجمع كل الفضة الموجودة في أرض مصر وفي أرض كنعان وجاء بها إلى بيت فرعون واشترى كل أرض مصر لفرعون. بحق خدم في كل مكان وُجد فيه بأمانة. وكما هو مكتوب «أما الرجل الأمين فمن يجده؟» (أمثال20: 6)، وكان بخدمته هذه يخدم الرب كما هو مكتوب «وكل ما فعلتم فاعملوا من القلب كما للرب ليس للناس، عالمين أنكم من الرب ستأخذون جزاء الميراث. لأنكم تخدمون الرب المسيح» (كولوسي3: 23 ، 24).
5- مكافأة التقوى عاش يوسف حياة التقوى ومخافة الرب، لذلك أكرمه الرب كثيراً" ففي بيت أبيه صنع له أبوه قميصاً ملوناً. وفي بيت فوطيفار وجد نعمة في عيني فوطيفار وبارك الرب بيت المصري بسبب يوسف. وفي بيت السجن بسط الرب له لطفاً وأعطاه نعمة في عيني رئيس بيت السجن، فدفع إليه جميع الأسرى الذين في بيت السجن، وكان الرب معه فكان رجلاً ناجحاً. وبعد أن فسّر الحلم لفرعون جعله على كل أرض مصر، وجعل خاتمه في يد يوسف، وألبسه ثياب بوص ووضع طوقاً من ذهب في عنقه وأركبه في مركبته الثانية ونادوا أمامه «اركعوا». فالذي رفض الركوع للخطية ركع الكل له. بحق ما أروع قول الرب: «فإني أُكرِم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني يصغرون» (1صموئيل2: 30). وأيضاً «مخافة الرب... غنى وكرامة وحياة» (أمثال22: 4).
أخي.. أختي.. دعنا نعيش في مخافة الرب، دعنا نحترم الرب ونقدِّره، ونطيع وصاياه، ونرضيه في السر والعلن، بحياة مقدسة أمينة له، متذكرين قول الكتاب «كُن في مخافة الرب اليوم كله» (أمثال23: 17). ولا بد أن يكافئ الرب الأتقياء، في الحياة الحاضرة، وفي المستقبل أمام كرسي المسيح، لذلك «روِّض نفسك للتقوى» (1تيموثاوس4: 7).