سبق الإشارة، في العدد السابق، إلى أن الخطر الذى يهدِّد المؤمنين الأحداث هو العالم. ولهذا حرّضهم الرسول يوحنا قائلاً «أيها الأحداث... لا تحبوا العالم ولا الأشياء التى فى العالم» (1يوحنا2: 14، 15).
والآن يجب أن نعرف ما هو العالم الذى يحذِّرنا الكتاب منه: إنه النظام المجمَّل الذى أسّسه ويرأسه الشيطان بعد دخول الخطية. لقد دخلت الخطية وفصلت الإنسان عن الله، وجاء وراءها العالم ليحفظ الإنسان مفصولاً عن الله. إنه مشروع الشيطان ليصرف الإنسان بعيداً عن الله لكي لا يفكِّر في الرجوع إليه. لقد أنتجت الخطية مشاعر سلبية فى الإنسان بحرمانه من العلاقة الصحيحة مع الله. والشيطان، من خلال العالم، يحاول أن يعالج هذه الآثار. فلقد أنتجت الخطية:
-
شعوراً بالذنب في الضمير. والعالم يقدِّم علاجاً مزدوجاً لهذه المشكلة:
-
الدين والتدين: وهو أن يعمل الإنسان أشياء لها الشكل الروحي لكي يرضي الله؛ على مبدإ أن الحسنات يُذهبن السيئات، وبذلك يهدأ ضميره ويستريح دون الحاجة إلى التوبة والإيمان.
-
الفلسفات: لإقناع الإنسان أن ما يفعله ليس خطية ولا يُغضب الله، وإنما هي أمور طبيعية، ولهذا فلا مبرر للشعور بالذنب، ولا حاجة للرجوع إلى الله.
-
شعوراً بالفراغ. والعالم يحاول أن يملأ هذا الفراغ عن طريق:
-
الانهماك في الدراسة والعمل الزمني والتجارة والنجاح والمكسب. والهدف أن يشغل كل الوقت ويستغل كل المجهود فى هذا المجال لكي لا يفكر الإنسان في الله والحاجة إليه.
-
الفن والطرب واللهو والموسيقى والأغانى والتسليات بأنواعها والتليفزيون والكومبيوتر والانترنت ودور العرض والمسرح.
-
التحرر وإطلاق العنان للشهوات والعيشة في النجاسة والإدمان.
-
العلم والتكنولوجيا والأبحاث والاختراعات. وكلها أمور مشروعة وليست خطية، وإنما تبتلع الوقت.
-
الخطية أنتجت شعوراً بالنقص. والعالم يحاول أن يجعل الإنسان يشعر بقيمته وذاته من خلال: شكله وجماله، صوته ونبراته، قوامه ورشاقته، مظهره وأناقته، لباقته وجاذبيته، فصاحته وقوة حجته، ذكائه ومهارته، شجاعته وجسارته، مركزه وشهرته، أسرته وممتلكاته، مواهبه وإنجازاته. وهذه هي مدرسة العالم لتحقيق وتعظيم الذات لكي يشعر الشاب أو الفتاة بالقيمة.
إن العالم بمبادئه المستقلة عن الله، والتى تتخذ من الذات محوراً تدور حوله الحياة، هو الخطر الأكبر الذي يهدِّد الأحداث. فهم ينجذبون وينخدعون بما في العالم من «شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة». وبسهولة يتأثرون بروح العالم ومبادئه.
ولا شك أن العالم، بما يقدِّم من إغراءات تروق للعين الطبيعية وينجذب إليها الجسد، يحتاج إلى مزيد من الحذر والسهر لنُحفظ من تياره الجارف.
ولنعلم يا أعزائي أن العالم له بريق ولكنه ليس له رحيق. والذى اختبر كل صنوف المتعة التي يقدِّمها العالم قال بعد اختبار طويل «الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس» (جامعة2: 11)، كما قال الرب يسوع للسامرية «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً» (يوحنا4: 13).
وعلينا أن نعرف أن العالم رفض المسيح وصلبه، احتقره وأهانه، أظهر كل عداوة له وما يزال. فكيف أنجذب إليه وأجد فيه راحتي ومتعتي؟! ليتنا نقول مع بولس «حاشا لى أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم» (غلاطية6: 14).
وأخيراً تبقى الحقيقة الثابتة أن «العالم يمضي وشهوته وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد» (1يوحنا2: 17).
العالم حقير تركته وشهوته ليس فيه من رفيق سيزول بالحريق |
|
أمام ذا الصليب لأتبع الحبيب فخره تعب وضيق لا أحبه ولا ما له |