سؤال ورد إلينا في أكثر من صورة، سواء في مراسلات بعض قرائنا، أو في مؤتمرات وندوات واجتماعات مختلفة؛ يمكن صياغة هذا السؤال هكذا: هل للمؤمن أن يستخدم الإنترنت أم لا؟ إن كان لا فلماذا؟ وإن كان نعم، فما حدود ذلك؟ ولمناقشة هذا السؤال دعني أسرد لك بعض الأمور:
ما هي الإنترنت؟
يمكن تعريف الإنترنت INTERNET بمنتهى البساطة على أنها شبكة عملاقة يتصل بها عدد يُقدَّر بمئات الآلاف من الشبكات الصغيرة في مختلف أنحاء العالم. وقد نشأت فكرة الإنترنت في السبيعنات من القرن الماضي، لمواجهة احتمال تعرُّض منشآت الكمبيوتر، التي تحوي معلومات حربية هامة من خطر التدمير إذا قامت حرب نووية. ثم اتسع استخدامها للأغراض العلمية والأكاديمية مع بداية التسعينات. وسرعان ما تطور الأمر ليمكن استخدام الشبكة للمستخدم العادي، وليتمكن الكثيرون أيضاً من وضع صفحاتهم على الشبكة. ومع تطور البرامج المساعدة للتعامل مع الإنترنت تزايد عدد المستخدمين حتى صار يعد بعشرات الملايين في شتى بقاع الأرض.
المدينة الافتراضية
ويمكنك تخيل الإنترنت على أنها مدينة كبيرة جداً مترامية الأطراف تزداد اتساعاً كل يوم. شوارع هذه المدينة متشعبة ومختلفة الأطوال والأشكال، والمدينة تحوي كل شيء يمكنك أن تجده في المدينة الطبيعية: ففيها أكشاك بيع الصحف والمجلات، وفيها المكتبات (منها المسيحية) ومراكز الأبحاث، وأيضاً المدارس والمعاهد العلمية، كذلك المتاجر والنوادي الرياضية؛ وللأسف فإن فيها أيضاً ملاهٍ ليلية وأماكن إباحية وأنشطة غير مشروعة متعددة. وبهذه المدينة أماكن عامة، وهي الغالبية، مسموح فيها بالدخول للجميع للاطلاع على ما فيها، كما أن هناك أماكن خاصة لا يسمح بالدخول فيها إلا لفئات معيَّنة خاصة بناء على كلمة مرور password.
وأنت حين تدخل إلى الإنترنت فقد وصلت إلى هذه المدينة الافتراضية، والوقت الذي تقضيه متصلاً بالشبكة فيه تجوب شوارع المدينة، ومن الممكن أن تدخل أي مكان عام فيها، وتجوب في أرجائه متفحصاً محتوياته. والقرار هو لك أن تختار المكان المناسب الذي ترتاده، تماماً كما أنك تختار المكان الذي تدخله وأنت تسير في الشارع. فيمكنك الاستفادة من وقت اتصالك بالإنترنت بزيارة بعض المواقع التي تقدم مادة روحية جيدة قد تكون سبب بركة لك (انظر صفحة 21 لبعض المواقع لزيارتها)، كما يمكنك الاستزادة من المعلومات في بعض المجالات التي تهمك، كما يمكنك الاطلاع على آخر الأخبار وأحدث التطورات العلمية والتكنولوجية والأجهزة الحديثة.
لكن احذر
فهناك الكثير من الأماكن الإباحية الرديئة التي قد يغريك الشيطان أو تَجُرّك الطبيعة القديمة فيك لأن تذهب إليها، وبدخولك إلى تلك الأماكن تخسر طهارة ذهنك، وتوقع نفسك في تجارب شهوانية لا داعي لها. ومما يزيد من خطورة الموقف أنك في الغالب تكون بمفردك أكثر الوقت الذي تجوب فيه في الشبكة، ولكن لا تنسَ أن الله رقيب، وليكن موقفك أمام أي شر أو أي أمر مثير للشهوات هو موقف يوسف الذي قالها بفعله قبل لسانه وفي غيبة كل رقيب: «كيف أفعل هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟». وضع في ذهنك دائماً أنه وإن كانت «كل الأشياء تَحل لي، لكن (ضع مئة خط تحت كلمة «لكن») ليس كل الأشياء توافق» (1كورنثوس6: 12). لذا دقِّق في الأماكن التي تبحر إليها عبر الإنترنت. واذكر أن الكتاب يوجهنا أن نبتعد لا عن الشر فقط بل يؤكد القول «امتنعوا عن كل شبه شر» (1تسالونيكي5: 22). فابتعد إذاً عن كل ما يُشتبه أنه لا يليق بك كمؤمن بالرب يسوع، يعلم أن حياته (بما فيها عيناه اللتان تشاهدان، وفكره الذي ينشغل، بل ويداه اللتان تتحركان على جهاز الكمبيوتر لتوجيه المتصفح إلى مكان ما في الشبكة) هي ملك للرب يسوع، وينبغي أن يحفظها مقدَّسة له.
زمن الإبحار
القضية الثانية في الموضوع هي أن الإنترنت من مستهلِكات الوقت بشكل مرعب. فإنك قد تجلس أمامها على اعتبار أنك ستقضي أقل من نصف ساعة في الإبحار، فإذ بك تكتشف، من عداد الزمن، أنك قد قضيت عدة ساعات على الشبكة. وهنا دعني أذكِّرك بقول الكتاب «انظروا كيف تسلكون بالتدقيق، لا كجهلاء بل كحكماء. مفتدين الوقت» (أفسس5: 15،16)، وليكن لسان حالك قول موسى «إحصاء أيامنا هكذا علمنا فنؤتى قلب حكمة» (مزمور90: 12).
الإنترنت والإدمان
أنتقل إلى خطر آخر تحدثه الإنترنت وهو الإدمان. أذكر شاباً قال لي قريباً «أنا لا أستطيع أن أحتمل يوماً يمر دون أن أبحر في الإنترنت». يكفي هنا أن أذكِّرك بمبدإ آخر هو أن «كل الأشياء تحل لي لكن (ومرة أخرى ضع خطاً تحت «لكن») لا يتسلط علي شيء» (1كورنثوس6: 12). فلا تسمح لشيء ما أن يستعبدك بشكل أو آخر، فالمسيح يريدك حراً بكل معاني الكلمة.
المبدأ الثالث
لقد ذكرت، في عرض كلامي، مبدأين، لا بد أن أكملهما بثالثهما، وهو قول الكتاب: «كل الأشياء تحل لي ولكن ليس كل الأشياء تبني» (1كورنثوس10: 23). ليكن هدفك من كل مكان تزوره وأي وقت تقضيه على الإنترنت أن يحقق لك ذلك بنياناً على المستوى الروحي أو العلمي أو الثقافي. أحسن استخدام ذلك الوقت، واذكر أن وقتك هو عمرك، فلا تضيعه في ما لا يبني. ولا بد أن أشير هنا إلى شيء يصرف فيه الكثير من الشباب وقتاً طويلاً على الإنترنت، وهو الدردشة chatting أو دعني أسميها الثرثرة؛ فهل ترى فيها فائدة حقيقية.. احكم أنت، وكن أميناً، ولا تنسَ كم تستهلك من الوقت.
ليعطِك الرب حكمة إذاً في اختيار المكان، وتحديد الزمان، والاستفادة به. أتمنى لك إبحاراً آمناً في الإنترنت، وعودة سالماً محملاً بالفوائد.