كل من يتطلَّع إلى الرب يسوع يجد فيه كل ما هو محبَّب للنفس أن تشتهيه، وللعين أن تنظره، وللفكر أن ينشغل به، وللقلب أن يمتلئ منه. وكما يوجد بالحدائق مجموعة أشجار بأزهارها الجميلة ورائحتها العطرية يزيدانها جمالاً؛ هكذا خدا الرب المشبهان بخميلة الطيب (نشيد5: 13) عنواناً لجمال داخلي لا يعرفه إلا الآب.
لذا سنتأمل الآن في هذا الوجه الذي لم تستطع الملائكة أن تنظره - قبل التجسد - بل كانت أمامه تغطي وجوهها بجناحيها (إشعياء6: 2)، والذي أمامه تزلزلت الجبال وارتعدت الأرض والسماء (قضاة5: 5، مزمور68: 8)، والذي أضاء كالشمس على جبل التجلى (متى17: 2)، وفي يومٍ آتٍ قريباً ستهرب السماء والأرض منه (رؤيا20: 11). كيف تنازل - له المجد - واتّضع إلى الحد الذي فيه نرى وجهه في الصور الآتية:
دموع ودماء عليه:
كان المسيح المتَّضِع، أمام الناس «لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه» (إشعياء53: 2)، إذ لم يرَ الناس فيه جمالاً غير عادي يفوق الآخرين، فقالوا عنه - وما زالوا يقولون - إنه واحد من الأنبياء (متى16: 14). هذا الوجه الكريم، والذي تبلَّل مرة واحدة بالطيب (متى26: 7) قد بلّلته كثيراً دموع العطف والحنان والشفقة على الأحباء: بكي عند موت لعازر (يوحنا11: 35)، وعلى الأعداء بكي عندما نظر إلى أورشليم ورأى ما سيأتي عليها من خراب ودمار (لوقا19: 41)، بل إجمالاً كانت كل أيام خدمته هو «الذاهب ذهاباً بالبكاء» (مزمور126: 6). بل أيضاً تبلل خداه بالدماء التي سالت مِن رأسه المكلّل بالشوك.
العار يلحق به:
نأتي لبعض الصور القاسية من الإهانة والعار، ونحن نرى اللطم واللكم والبصق والضرب على الوجه الجميل! إهانات لا يتحملها إنسان. لقد استاء أيوب في يومه وتأذى من اللطم على الفك والبصق في الوجه (أيوب 16: 10؛ 17: 6). لكن ماذا عن القدوس وهو يسلِّم نفسه لأيدي الناس؟ ألم يَقُل «بذلتُ ظهري للضاربين وخديَّ للناتفين، وجهي لم أستر عن العار والبصق» (إشعياء50: 6). أيّ إنسان، لو تعرض لهذه الإهانة نراه بسرعة وبتلقائية يستُر وجهه بيديه، لكن الرب يسوع كان هدفاً لسخرية واستهزاء الجنود والعبيد والسكارى، ولم يستر وجهه!! حدث هذا كثيراً في محاكمته فنقرأ:
- فى المحاكمة أمام رئيس الكهنة، وعندما سُئل عن تلاميذه وتعاليمه أجاب الرب «اسأل الذين قد سمعوا» ماذا حدث...«لطم يسوعَ واحدٌ من الخدام كان واقفاً» (يوحنا18: 22) ثم بعدها «حينئذ بصقوا في وجهه ولكموه، وآخرون لطموه قائلين تنبأ لنا أيها المسيح مَن ضربك» (متى26: 67، 68).
- بعد المحاكمة أمام بيلاطس، وفي مشهد لا يُحتمل، جمعوا على الرب يسوع كل الكتيبة، فعرّوه ووضعوا على رأسه إكليل الشوك وسجدوا أمامه مستهزئين، ثم «بصقوا عليه وأخذوا القصبة وضربوه على رأسه» (متى27: 30). ويقال إن الضرب بالقصبة كان على خده تتميماً لنبوة النبى (ميخا5: 1).
أمام هذه المشاعر تغطّى وجهه الكريم بالخجل (مزمور69: 7).
ألا ترى صديقى القارئ كل العجب! شخص بار يُهان بهذه الصورة فيحتَمِل! ومع أنه قوي، وقدير وبإمكانه إبادة كل أعدائه بكلمة، لكنه يصبر ويتذلل ولم يفتح فاه! ياللعجب!!
قبلة غاشة على خديه:
صورة أخرى، أشد قسوة، وقعت على خدَيَّ الرب. هذه المرة لم تكن بلطمة أو بلكمة، بل بقبلة! ويا ليتها كانت من مُحِب لتشجيع الرب في يوم معاناته، بل من صديق خائن! ولو أردنا أن ندرك عمق الجرح والألم نقرأ قول الرب فى مزمور55: 21،31 «لأنه ليس عدو يعيّرني فأحتمل، ليس مبغضي تعظم عليَّ فأختبئ منه، بل أنت إنسان عديلي (نظير نفسي) إلفي وصديقي، الذي معه كانت تحلو لنا العشرة». حقاً إن أعمق الجروح تأتي لا من إهانات الأعداء - لأنها متوقَّعة - بل من خيانة القريبين والأصدقاء.
موقفك منه:
صديقي تأمل معي: الأعداء يلطمون ويبصقون ويلكمون.. ويهوذا يقبِّله ولكنه يخون ويبيع ويحمل فى جيبه ثمن الخيانة.. لكن لا تتعجل في الحكم على الآخرين. أخاف أن تدَّعي أنك تَقْبَله وتدّعي معرفتك به، ومحبتك له، بصورة أو بأخرى، وفي ذات الوقت يوجد في جيبك أو في بيتك أو في قلبك ما يثبت أنك خائن للمسيح وبعته بالرخيص، وهو الغالي، وينطبق عليك القول «هذا الشعب يكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً» (مرقس7: 6).
وأخاف أن تكون واحد من الكثيرين الذين ما زالوا يلطمون المسيح بلطمات قاسية.
فهناك من يلطمونه بإنكار لاهوته أو بنويته أو ناسوته، وهناك من يلطمونه بإنكار موته وقيامته، وهناك من يلطمونه بإنكار حقه في تأسيس ملكوته على الأرض التي أُهين عليها، وهناك من يلطمونه بإنكار وحي وصدق الكتاب المقدس فيضيفون عليه أو يحذفون منه. وللأسف أن تأتي اللطمة الكبرى - وكأنها بقضيب على خده - مِمَنْ يُدعى اسم المسيح عليهم!
صديقي: هذا الوجه المُهان، والذي رآه الناس أخِر مرة على الصليب «كان مُفسَداً أكثر من الرجل» (إشعياء25: 41)، سيأتي اليوم قريباً، الذى فيه تراه كل عين، ومنه ستهرب السماء والأرض في يوم غضبه.. فاهرب إليه الآن، وإلا فَمِنْ وجهه أين تهرب؟!