لم يكن في فكر الله مطلقاً أن يعطي الناموس أيام موسى، لكنه أعطاه بناء على قول الشعب قديماً «كل ما تكلم به الرب نفعل» (خروج 19: 8). وقد تسأل الرسول بولس في غلاطية) 3: 19( قائلاً «لماذا الناموس؟» وكانت الإجابة «قد زيد بسبب التعديات» أي ليُظهر الخطايا كتعدّيات، ويقنع الناس بفشلهم وخرابهم وعجزهم وعدم نفعهم. لقد دخل الناموس ليكشف لا ليعالج، ليدين لا ليغفر ولا ليبرر، دخل لكي يظهر الخطية أنها كثيرة (رومية5: 20). فالناموس مثل: المرآة التي تكشف العيوب لكن لا تعالج، إنها فقط تظهر الحقيقة. أو مثل المسطرة التي تكشف أن الخط أعوج لكن لا تستطيع أن تصحح مسار هذا الخط. أو هو كجهاز الأشعة الذي يكشف الداء ولا يقدم الدواء. فالناموس...
1- لا يُحي
«فهل الناموس ضد مواعيد الله؟ حاشا. لأنه لو أُعطى ناموس قادر أن يُحي لكان بالحقيقة البِرّ بالناموس، لكن الكتاب أغلق على الكل تحت الخطية ليعطى الموعد من إيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون» (غلاطية3: 21، 22). فالله أعطى وعداً ثابتاً لإبراهيم أنه يتبارك في نسله (ولا يقول في أنساله) الذي هو المسيح جميع أمم الأرض (غلاطية3: 16). وقد أتى الناموس بعد ذلك بـ430 سنة، فهل يمكن أن الناموس يبطل هذا الوعد بإدخال شروط عليه؟ كلا فالله لا يمكن أن يغير فكره ويجعل البركة بشروط. ويسمى بولس الناموس «خدمة الموت» و«خدمة الدينونة» (2كورنثوس3: 7، 9).
2- لا يبرِّر
«إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس بل بإيمان يسوع المسيح آمنا نحن أيضاً بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس. لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما» (غلاطية2: 16). وكلمة «الإنسان» الواردة في هذه الأية تُرينا الجنس البشري كله، فهي تُسقط كل الحواجز بين كافة البشر دون تفرقة في اللون أو الجنس أو المكانة الاجتماعية فالكل في مستوى واحد. وفي الأصل اليوناني لا توجد أداة تعريف في كلمة «الناموس»، فيمكن أن نقرأها هكذا «إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال ناموس»، أي بأعمال أي ناموس أو قانون أو شريعة، شريعة موسى أوً أية شريعة أخرى، فلا أشياء أو ممارسات يمكن أن تبرِّر الإنسان أمام الله سوى الإيمان القلبي بالرب يسوع المسيح كالفادي والمخلِّص، الإينان المُقتَرِن بتوبة قلبية.
3- لا يعطي الروح القدس
«أريد أن أتعلم منكم هذا فقط أبأعمال الناموس أخذتم الروح أم بخبر الإيمان» (غلاطية3: 2). ويجيب الرسول بولس نفسه عن هذا السؤال في أفسس1: 13 قائلاً «إذ أمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس». أما في عهد الناموس فلم يكن الروح القدس قد أُعطى بعد لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعد (يوحنا7: 39).
4- لا يعطي بركة
«لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة، لأنه مكتوب ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به» (غلاطية3: 10). وهو لا يقول «الذين يكسرون الناموس هم تحت لعنة»، بل «الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة». أي أن وقوفهم على هذا الأساس يجعلهم تحت لعنة، لأنه لا يوجد إنسان لم يعثر حتى في واحدة «لأن من حفظ كل الناموس وإنما عثر في واحدة فقد صار مجرماً في الكل» (يعقوب2: 10). ويجب أن نلاحظ أن العهد القديم ينتهي باللعنة «لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن» (ملاخي4: 6)، بينما ينتهي العهد الجديد بالنعمة «نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم» (رؤيا22: 21).
5- لا يكمِّل
«لأن الناموس لا يقدر أبداً، بنفس الذبائح كل سنة التي يقدمونها على الدوام، أن يكمِّل الذين يتقدمون» (عبرانيين10: 1). والمقصود بالناموس هنا هو كل فترة تدبير الناموس، بما فيها من تقدمات وذبائح ووصايا، وهي لم تستطع أن تمنح الضمير سلاماً كاملاً أو راحة أو قبولاً في حضرة الله..
6- لا يعطى ميراثاً
«لأنه إن كانت الوراثة من الناموس فلم تكن أيضاً من موعد ولكن الله وهبها لإبراهيم بموعد» (غلاطية3: 18). وقد كان سؤال الناموسي الذي قام ليجرب الرب: «ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟» (لوقا10: 25) سؤالاً خاطئاً لأن ليس أحد يعمل ليرث، بل يرث الشخص لكونه ابناً «وأما كل الذين قبلوه (أي المسيح) فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه» (يوحنا1: 12)، «فإن كنا أولاداً، فإننا ورثة أيضاً، ورثة الله ووارثون مع المسيح» (رومية8: 17).
7- لا يُعطي غفراناً
بل بالعكس لأنه «بالناموس معرفة الخطية» (رومية3: 20)، وبالتالي «الناموس ينشئ غضباً» (رومية4: 15). ويذكر لنا كاتب العبرانيين سبباً من الأسباب التي من أجلها رفض الله ذبائح الناموس إذ يقول «فيها كل سنة ذكر خطايا» (عبرانيين01: 3)، ففي عهد الناموس كانت تقدَّم ذبائح للخطية لم يُسَرّ بها الله، واستمرار ذكر الخطايا تابع لاستمرار تقديم الذبائح والثيران الذي لم يرفع خطايا، إلى أن جاء المسيح وقدم نفسه. وللناموس تشبيهات توضح طبيعته، فهو مثل:
- الكاهن واللاوي في قصة السامري الصالح (لوقا 10). قَصّ الرب هذه القصة عن إنسان كان نازلاً من أورشليم إلى أريحا، ووقع بين لصوص، فعرّوه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حي وميت، فعَرَضَ أن كاهناً نزل في تلك الطريق فرآه وجاز مقابله ولم يستطع أن يفعل معه شيئاً، كذلك لاوي أيضاً إذ صار عند المكان جاء ونظر وجاز مقابله ولم يستطع أن يفعل معه شيئاً، وهما صورة للناموس الذي ما استطاع أن يفعل شيئاً للإنسان.
- جيحزي غلام أليشع (2ملوك4). مات ابن الشونمية فأضجعته على سرير أليشع رجل الله وأغلقت عليه وخرجت وذهبت إلى أليشع الذي قال لجيحزي«اشدد حقويك، وخذ عكازي بيدك وانطلق، وإذا صادفت أحداً فلا تباركه وإن باركك أحد فلا تجبه وضع عكازي على وجه الصبي». وكانت النتيجة لا صوت ولا مصغ ولم ينتبه الولد ولم يعطَ حياة. وجيحزي كان ممَّثلاً للناموس، كان اسبق من اليشع كما قصد الله أن يكون الناموس أسبق من المسيح، ولكن رجل النعمة اليشع وهو رمز رائع للرب يسوع المسيح استطاع أن يقيم الابن الميت.
- فلان الفلاني (راعوث4)، وهو الولي الأول الذي يذكِّرنا بالعهد الأول الناموس، كان عابراً وهذا يذكرنا بالناموس الذي لم يكن في قصد الله في الأزل إعطاءه. وهو لم يكن يفكر في راعوث، لكنه جلس عند الباب وهو المكان الذي حدّده الرب في الناموس كساحة للقضاء (تثنية16: 18) مذكراً إيانا بخدمة الناموس كخدمة قضاء ودينونة. هناك أعلن فلان الفلاني عجزه إذ قال «لا أقدر أن أفك.. لا أقدر أن أفك». فلم يستطع فداء أو إنقاذ راعوث.
حقاً شكراً للرب لأن قرعتنا وقعت في تدبير النعمة تدبير التكميل والتطهير والسجود بلا خوف. ليتنا نقدِّر الامتيازات والخيرات التي أتى بها سيدنا بقيمة شخصه وقيمة عمله الكامل على الصليب.