حزقيـال

هو واحد من أعظم الأنبياء في العهد القديم.

وعلى الرغم من أن قليلين يدرسون سفر حزقيال ويعرفون عنه، إلا أننا سنحاول أن نلقي الضوء على بعض النقاط الهامة في هذه الشخصية العظيمة.

من هو حزقيال:

حزقيال اسم عبري معناه «الله يقوّي». وقد كان كاهناً (1: 3)، والرب دعاه ليكون نبياً بين المسبيين في بابل، وكان قد أُخذ إلى السبي مع الذين سبوا مع الملك يهوياكين نحو عام 598 ق.م (2أخبار36: 10). وربما كان في الخامسة والعشرين من عمره في ذلك الوقت. ثم بدأ خدمته في السنة الخامسة من سبي يهوياكين الملك، حوالي سنة 593 ق.م، وله من العمر ثلاثون عاماً.

ودعاه الرب، وهو بين المسبيين عند نهر خابور، إذ انفتحت السماوات ورأى رؤى الله (1: 1). واستمرت خدمته لمدة 22 سنة تقريباً. كان مُعاصراً لإرميا ودانيآل، علماً بأن إرميا يكبره بحوالي 20 سنة أما دانيآل فهو متقارب معه في العمر ويذكره حزقيال في سفره أكثر من مرة (14: 14، 20؛ 28: 3).

 حزقيال و دعوته:

قبل أن يبدأ خدمته أراه الرب رؤى عظيمة (ص1)، تعلم منها أن الله هو صاحب السلطان على الجميع، وعرشه في السماء، وهو المتحكم في كل ما يجري على الأرض، وأنه يرسم خططه ويُجري مقاصده رغماً عن كل محاولات الشيطان، وأن مشيئته لا بد أن تتم. وكم كان هذا مشجِّعاً لحزقيال قبل أن يمارس خدمته الصعبة.

بعد ذلك دعاه الرب قائلاً: «يا ابن آدم قُم على قدميك فأتكلم معك» (2: 1). وتعبير «ابن آدم» يميِّز حزقيال بصفة خاصة، إذ يتكرر 93 مرة في السفر. وقصد الرب من إعطائه هذا اللقب أن يذكِّره أنه، وإن كان دُعي دعوة إلهية ورأى رؤى عظيمة وسيقوم بتبليغ رسالة سماوية، إلا أنه لا يزيد عن كونه مخلوقاً ضعيفاً لا يختلف في ذاته عن بقية الناس؛ لذا فعليه أن يظل معتمداً على الرب بالتمام.

ثم قدَّم الرب لحزقيال وصفاً لحالة المسبيين الذين هو مُرسَل إليهم فقال له: «يا ابن آدم أنا مُرسلك إلى بني إسرائيل، إلى أمة متمردة قد تمرَّدت عليَّ... أما أنت يا ابن آدم فلا تخف منهم... لأنهم قريس وسُلاء لديك، وأنت ساكن بين العقارب» (2: 3-6).

كانت مهمته صعبة ومليئة بالمخاطر، فالشعب يشبه القريس والسلاء؛ وهما نوعان من النباتات الشوكية التي تنبت في الحقول المهجورة وتجرح كل من يمسها. كما أنه كان معرَّضاً للإيذاء ممن يبلغ لهم الرسالة إذ كانوا كالعقارب. لكن الرب يشجِّعه قائلاً: «فلا تخف منهم، ومن كلامهم لا تخف». ثم يوصيه أن يبلغهم الرسالة سواء قبلوا أو رفضوا: «وهم إن سمعوا وإن امتنعوا لأنهم بيت متمرد. فانهم يعلمون أن نبياً كان بينهم» (2: 5).

إذاً لم تكن خدمته سهلة، بل مليئة بالصعوبات والمشقَّات. لكن كان عليه أن يظل أميناً لما كُلِّف به، وحتى لو بدا ظاهريا أن مهمته لم تنجح إلا أن دوره أن يتكلم بكلام الرب ولا يتوقف.

ألا نتعلم من ذلك أننا علينا أن نواصل خدمتنا رغم كل الصعوبات التي تواجهنا - ومن قال إن طريق الخدمة مفروش بالورود؟! أ لم يقل الرسول بولس «أنا أصبر على كل شيء لأجل المختارين». وألم يوصِ تيموثاوس «فاشترك أنت في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح». وأوصاه أيضاً: «اكرز بالكلمة. اعكف على ذلك في وقت مناسب وغير مناسب... احتمل المشقات. اعمل عمل المبشر. تمِّم خدمتك» (2تيموثاوس2: 3؛ 4: 2، 5).

حزقيال و تجهيزه:

1-الروح القدس:

«فدخل فيَّ روح لما تكلم معي وأقامني على قدميَّ» (2: 2) الروح القدس هو الذي يجهِّز الخادم لخدمته، فهو الذي يمنح القوة اللازمة «ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً» (أعمال1: 8). وهو الذي يعطي الكلمات المناسبة «لأن الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه» (لوقا12: 12). وهو الذي يمنح شجاعة وحكمة في مواجهة المواقف الخطرة الحرجة، «استفانوس رجلاً مملوّاً من الإيمان والروح القدس» فاستطاع أن يشهد أمام الجميع بكل شجاعة وحكمة (أعمال6: 5،10).

كلمة الله:

«وقال لي يا ابن آدم كُلْ ما تجده. كُلْ هذا الدَرج واذهب كلِّم بيت إسرائيل. ففتحت فمي فأطعمني ذلك الدَرج... فأكلته فصار في فمي كالعسل حلاوة» (3: 1-3)

كلمة الله سلاح الخادم «سيف الروح الذي هو كلمة الله» (أفسس6: 17)، لكن عليه أولاً أن يأكلها ويهضمها، ثم يتكلم بها؛ وهذا ما نفهمه من أكل الدَرج. فعلينا أن ندرس الكلمة، وأن نجعلها تدخل إلى أعماق كياننا فتُشكِّل أفكارنا وميولنا. أن تسكن فينا وأن تكون ثابتة فينا، ثم بعد ذلك نتكلم بها. ترى كيف نتعامل مع الكلمة؟ هل نُقدِّرها؟ هل نأكلها؟ قال أيوب «أكثر من فريضتي (طعامي اللازم) ذخرت كلام فيه» (أيوب23: 12). وقال إرميا «وُجد كلامك فأكلته. فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي» (إرميا 15: 16).

 ويبدو أن حزقيال في البداية أبقى الدرج في فمه ولم يبلعه، وهو بهذا يشبه كثيرين ممن يعرفون الكتاب بعقولهم فقط، لذا أمره الرب «يا ابن آدم أَطعِم بطنك واملأ جوفك» (3: 3). إن الله يريد للحق أن يصل إلى أعماقنا، وأن نخضع له ونطيعه في حياتنا «خبأت كلامك في قلبي، لكيلا أخطئ إليك» (مزمور119: 11).

الطاقة النفسية:

«هانذا قد جعلت وجهك صلباً مثل وجوههم وجبهتك صلبة مثل جباههم. قد جعلت جبهتك كالماس أصلب من الصوان» (3: 8،9).

كان حزقيال معرَّضَاً، وسط ظروفه، أن يتعب من الجهاد ويفقد الشجاعة والعزم ويتوقف عن العمل؛ إلا أن الرب، الذي أرسله، منحه طاقة نفسية لمواجهة كل الصعاب. فإن كان الناس قُساة في مقاومة كلمة الله (جباههم صلبة)، فهو سيقف صلباً مثلهم ولن يتخاذل أو يتراجع (جبهتك صلبة). وهو ما اختبره بولس أيضاً «فإذ حصلت على معونة من الله بقيت إلى هذا اليوم شاهداً للصغير والكبير» (أعمال26: 22).