تحدثنا في ما سبق عن الأطفال والأحداث في عائلة الله. والآن سنتحدث عن النضوج الكامل. وهذا فكر الله من جهتنا، وما ينبغي أن يصبو إليه كل مؤمن ومؤمنة لكي يصبح إنسان الله الكامل المتأهب لكل عمل صالح.
هل تشتاقون أن تكونوا قدوة تُتّبَع في الأوساط الروحية، ناجحين ونافعين لخدمة السيد ومستعدين لتحمل المسؤلية بأمانة وكفاءة؟ لا سبيل إلى ذلك سوى النضوج. والنضوج لن يحدث فجأة، لكنه يحتاج إلى وقت، إلى سنين. ومع النمو والتدريب، والاختبارات والتعلم، والاستفادة من الأخطاء، ومن المعاملات الإلهية؛ سيتحقق النضوج. والنضوج الروحي سيصحبه بالضرورة نضوج نفسي. ولكن العكس ليس صحيحاً.
والآن من هو الشخص الناضج نفسياً وروحياً؟
- إنه الشخص الذي يُقَيِّم نفسه التقييم الصحيح، ويعرف قدر نفسه. يعرف مميزاته دون أن يغتَرّ أو يرتفع قلبه، ويعرف عيوبه ونقائصه دون أن يفشل أو يشعر بصغر النفس. يكون راضياً وشاكراً ومتقبِّلاً وضعه كما أراده الله.
- وهو الشخص الذي له اللون الواضح والمحدَّد، ويتعامل مع الأمور بشكل ثابت في المواقف المختلفة، وله الرأي المُمَكَّن، وليس شخصاً مهزوزاً ومتقلباً في أفكاره.
- وهو الذي يضع أمامه أهدافاً عظيمة راقية في الحياة، وليس أهدافاً تافهة صغيرة. إنه يسعى لإكرام المسيح وتمجيده، وليس تعظيم نفسه، ولا يهمه كثيراً مديح الناس بل المدح الذي من الله.
- وهو الذي يعرف كيف يستخدم الوقت الاستخدام الأمثل والأنفع، ويرتِّب أولوياته في الحياة بحسب القيمة الحقيقية. فالشخص الذي يقضي ساعات طويلة في اللهو أو في ألعاب الكمبيوتر أو تبادل الرسائل والمحادثات على شبكة الانترنت لمجرد التسلية دون هدف واضح، غير مقدِّر قيمة الوقت الذي يُهدَر، لا يمكن اعتباره شخصاً ناضجاً. فكل الأتقياء عرفوا قيمة الوقت، وتيقنوا أن الحياة قصيرة فاجتهدوا ليفتدوا الوقت ويستغلوا كل فرصة. وأعظم مثال على ذلك هو شخص الرب يسوع نفسه الذي لم يكن يضيِّع وقتاً على الإطلاق.
- والشخص الناضج هو الذي يقبل النقد الموضوعي الهادف والبنَّاء. إنه مقتنع تماماً أنه لا يعرف كل شيء، ولا يقدر أن يعمل كل شيء. إنه يفهم نقاط ضعفه وعلى استعداد أن يقبل النصيحة والتوجيه، ويعترف بأخطائه. هل تنفتح عيناك على عيوب الآخرين، هل «تنظر القذى التي في عين أخيك أما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها»؟ لاحظ أنه في أشياء كثيرة نعثر جميعنا. والكمال هو في المسيح وحده. الاتضاع والاستعداد لتغيير المفاهيم الخاطئة هو سمة الناضجين.
- الناضج لا يحكم بحسب الظاهر، ولا يتسرع في إصدار الأحكام وإدانة الآخرين ولا يعمِّم الأخطاء. إنه يتعامل مع الكل بقلب متسع، ويحتمل ضعفاتهم، ويسمو فوق أخطائهم. وهذا سيجعلهم ينجذبون إليه ويثقون فيه.
- الناضج عنده توقعات إيجابية من جهة الأشخاص، وهذا ناتج عن ثقته في الله أنه سيغيرهم ويعمل منهم وعاءً آخر كما حسُنَ في عينيه. والناضج يدرك تماماً أن الله يسيطر على الأحداث ويجعل كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله. (يتبع)