سُئل ممثل مسرحي: لماذا يُقبِل الناس على مشاهدة أعماله بينما لا تنال بعض الأمور الهامة نفس الإقبال منهم؟! أجاب الممثل قائلاً: إننا نقدِّم الخيال وكأنه حقيقة، فينجذب الناس إلينا، بينما يقدِّم البعض الحقيقة بشكل روتيني وكأنها خيال!!
صديقي ما أكثر الأكاذيب التي تحيط بنا.. ويا اللعجب انها تلقى رواجاً شائعاً بين جموع البشر.. ولكن لماذا يَقبَل الناس الأكاذيب؟
أولاً: يرفض الأشرار الحق لأنه يكشف حالتهم، ويُظهِر شرَّهم، ويدين أعمالهم؛ لذلك فهم يفضِّلون ظلمة الأكاذيب عن نور الحق (يوحنا3: 19)!
ثانياً: يخدع إبليس الملايين من البشر! فهو «الكذاب وأبو (الأكاذيب father of lies في بعض الترجمات)» (يوحنا8: 44)، ومن صفاته التي يسجلها الوحي أنه «يُضِلّ العالم كله» (رؤيا12: 9). فهو المصدر الأساسي لكل الأكاذيب، والبدع التي انخدع بها البشر على مر العصور. والخداع من أهم أسلحته، وهو يعمل جاهداً ليملأ الأذهان بالأكاذيب فيعميها عن معرفة الحق (2كورنثوس4: 4). وحتى مع المؤمنين، لا يتوانى عن نفث سمومه في أذهانهم محاولاً خداعهم، وغرضه من ذلك أن يفسد أذهانهم عن البساطة التي في المسيح (2كورنثوس11: 3)، أي أن تتحول أعينهم عن المسيح كالغرض الوحيد إلى أغراض وأهدف أخرى. وهو يتفنن في ذلك بكل الطرق، فلن يمر يوم بدون عشرات المحاولات لكي يخدعك بأفكار كاذبة.
لذا ما أشد احتياجنا إلى التحريض الإلهي «لا تقبل خبراً كاذباً» (خروج23: 1). وكن حذراً فهو على استعداد أن يغيّر نفسه حتى إلى شبه ملاك نور (2كورنثوس11: 14) لكي لا يجول بخاطرك ابداً أنك تتعرض للخداع.
وغرضنا بهذه السطور أن نلقي الضوء على بعض اساليبه الملتوية لكي «لا نجهل أفكاره» (2كورنثوس2: 11). والكلمة اليونانية المترجمة «أفكاره» تعني مؤامراته وخططه وألاعيبه. كما يطلب منا الرسول بولس أن نلبس سلاح الله الكامل لكي نثبت ضد «مكائد إبليس» أي حيله الماكرة. ومن هذه الحيل:
1- التشكيك:
إنه السلاح الذي استخدمه الشيطان مع حواء قديماً «أ حقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟» (تكوين3: 1). وهنا نرى إنه حوَّل حقيقة ووصية قد أقرّها الله إلى قضية قابلة للجدل، وعلى الرغم إنه لم يقدِّم أي ادعاءات مباشرة إلا أنه فتح الباب لحواء أن تجادل في صدق كلمة الله. وهي ذات الطريقة التي يستخدمها مع كثيرين اليوم. إن العدو لن يتورع عن مجادلتنا حتى في أثبت الأمور في إيماننا الأقدس في وجود الله، في تجسد المسيح... الخ. كما سيشككنا في وعود قبلناها أو خطوات خطوناها. ربما يشككك في إيمانك أو في صدق توبتك. فهو يبغي أن يعذبنا بالشك، ويعوِّق سيرنا مع الله.
فكن حذراً حتى من مجرد النقاش مع الشيطان لكي لا تضع نفسك في موقف الخطر!
يحكى عن أحد الصيادين همَّ أن يصطاد دباً متوحشاً فصوَّب إليه سلاحه، ولكنه سمع الدب بصوت ناعم يقول: اسمع، لماذا لا نجلس ونناقش الأمر؟ ما الذي تبغيه؟ أجاب الصياد: أريد فراءك، لأصنع منه معطفاً أرتديه. أجاب الدب: هذا أمر هين. أما أنا فأريد وجبة دسمة.. إذاً فلنتفاهم. وبعد فترة من المفاوضات شوهد الدب يغادر المكان منفرداً. لقد حل الدب المعادلة بطريقته: حصل على وجبته الدسمة، والتف حول الصياد الفراء الذي يريده! لقد أكل الدب الصياد!
صديقي ارفض بشدة أن تتحول الأمور الإلهية الثابتة إلى أمور قابلة للجدل والنقاش، واذكر دائماً قول الرب يسوع «السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول» (متى24: 35).
2- الإحباط:
ومن خططه أن يحبطك لتيأس من السير مع الله. فمثلاً إن كنت مهزوماً من أحد الخطايا، سيحاول إقناعك أنك لن تنتصر أبداً.. ارفض هذا، فالخبر الإلهي اليقين أن لك النصرة في المسيح (2كورنثوس2: 14).
سيسعى ليجعلك تيأس من قدرتك على فهم مشيئة إلهك من جهة أمور تصلي لأجلها وتنتظر الإجابة. فارفض هذا أيضاً، عالماً أن لك من الله روح النصح، أي القدرة على التمييز (2تيموثاوس1: 7). فانتظر الرب في شركة مستمرة واثقاً في قدرته على إرشادك (مزمور32: 8).
سيحاول أن يجعلك تنشغل بالتفكير في المستقبل المجهول، ويدفعك إلى مواجهته بأحلام اليقظة. فلا تنصاع له، بل امتلئ بالثقة في الرب العظيم الذي يحمل المستقبل في يده، قُل للرب «في يدك آجالي» (مزمور31: 15).
وغيرها الكثير من الأخبار الكاذبة والتي يبغي العدو بها أن يزعزع إيمانك، ويضعف شركتك ويصيبك بالحزن والفشل. ارفض كل هذا والتصق بكلمة الله في روح الصلاة لتستقي منها «كل ما هو حق» (فيلبي4: 8) فيما يخص حياتك، لتزداد معرفة بإلهك الصالح، وتمتليء شكراً وفرحاً وقوة.
3- التسلية والترفيه:
في عالمنا المولع بالتسليات، يمارس الشيطان نفوذه من خلال امتلاك كُتاب القصص الخيالية، ومن خلال الشاشات التليفزيونية والقنوات الفضائية، فمنها يبث أكاذيبه على الهواء مباشرةً، ولا عجب فهو «رئيس سلطان الهواء» (أفسس2: 2). فكن شديد الحذر، إذ من خلال وسائل الترفيه المختلفة سيحاول العدو أن يفتح أبواباً ثلاثة ليتسرب منها العالم إلى قلبك: شهوة الجسد والتي يغذّيها بقصص عاطفية ومناظر إباحية. وشهوة العيون: إذ يضع أمام عينيك أشياء مبهرة تتمنى أن تمتلكها. وتعظُّم المعيشة: ينفذ بروح العالم المتكبرة إليك فتطلب لنفسك أموراً تافهة لتتفاخر بها على الآخرين.
وأما الاخبار الإلهية الصادقة أن كل ما في العالم باطل وقبض الريح (جامعة2: 11)، وأن العالم يمضي وشهوته (1يوحنا2: 17). فدعنا نمنطق أحقاء ذهننا صاحين (1بطرس1: 13). فلا تقبل خبراً كاذباً بل لتسلك بحسب الحق.
صلاة: يا رب أنت تبغض الذين يراعون أباطيل كاذبة.. فحوِّل عيني عن الأمور القديمة، وابعد عني الباطل والكذب.. مَنطِق ذهني بالحق، واحمني من خداع الجسد.. ولتكن أفكاري كلها مُخضَعة لشخصك... آمين.